للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ فِيهِ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ. اهـ.

فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي الْكِتَابِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِ الشَّهِيدِ وَجَدِيرٌ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ مُحَقَّقَ فِيهِ، كَذَا مَا عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ كُلُّ ذَلِكَ تَنْفَتِحُ فِيهِ الْمُنَازَعَاتُ بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الزَّمَانِ. اهـ.

أَقُولُ: هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَصِحَّ وَيُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فِي شَهْرٍ فَيُؤَدِّي التَّقْدِيرُ بِهِ إلَى عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأَجَلِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَقِيَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِيهِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ إنْ كَانَ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِثْلَ قِيمَتِهِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَكَانِ حَقُّ رَبِّ السَّلَمِ دَفْعًا لِمُؤْنَةِ الْحَمْلِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَفْتَى بَعْضُ مُفْتِي زَمَانِنَا أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ حَقُّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ دَفْعًا لِمُؤْنَةِ الْحَمْلِ وَهَذَا الْجَوَابُ أَحَبُّ إلَيَّ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ أَنْ يُقِيمَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَيَعْجَزُ رَبُّ السَّلَمِ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، ثُمَّ قَالَ هَدَانَا اللَّهُ إلَى الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ.

قَوْلُهُ (وَقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ) أَيْ وَشَرْطُهُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَالْمَذْرُوعِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مَعَ الْإِشَارَةِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَهُ أَنَّهَا قَدْ تُفْضِي إلَيْهَا بِأَنْ يُنْفِقَ بَعْضَهُ، ثُمَّ يَجِدُ بِالْبَاقِي عَيْبًا فَيَرُدُّهُ وَلَا يَتَّفِقُ الِاسْتِبْدَالُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ وَلَا يَدْرِي قَدْرَهُ لِيَبْقَى الْعَقْدُ بِحِسَابِهِ فَيُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَوْهُومًا لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي إذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ لِلْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فَمُنْدَفِعٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِانْتِقَادَ شَرْطٌ عِنْدَهُ، وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَوْلُ الْفَقِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ وَالْمَبِيعُ لَا يُقَابِلُ الْأَوْصَافَ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ وَلِذَا لَوْ سَمَّى عَدَدًا لِذَرِعَيْنِ فَوَجَدَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْقَصَ لَا يُنْتَقَصُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ إذَا أَسْلَمَ فِي جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ أَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ أَحَدِهِمَا بِأَنْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فِي مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْبُرِّ فَبَيَّنَ قَدْرَ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْآخَرَ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِمَا لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِي حِصَّتِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ فَيَبْطُلُ فِي الْآخَرِ أَيْضًا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ أَوْ لِجَهَالَةِ حِصَّةِ الْآخَرِ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَجْهُولًا وَالْمُرَادُ بِالْمَعْدُودِ هُنَا مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمِقْدَارِهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ) أَيْ وَشَرْطُهُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِي الْمُسْلَمِ إلَيْهِ إذَا كَانَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَقُولُ: هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُصَحَّحَ إلَخْ) قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ كَلَامُ شَيْخِنَا هُنَا جَدِيرٌ بِعَدَمِ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ لَوْ كَانَ الَّذِي يُقَدِّرُهُ بِالشَّهْرِ يُوجِبُ التَّقْدِيرَ بِهِ وَيَمْنَعُ التَّقْدِيرَ بِالزِّيَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِي مُدَّةِ الشَّهْرِ وَاتَّفَقَا عَلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِ جَازَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَا مَوْقِعَ لِقَوْلِهِ فَيُؤَدِّي التَّقْدِيرُ بِهِ إلَى عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأَجَلِ إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.

وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الشَّهْرَ أَدْنَاهُ لَا أَنَّهُ أَقْصَاهُ لِيَتِمَّ مَا ادَّعَاهُ. اهـ.

قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَعْلِ الْإِمْكَانِ عِلَّةً لِجَوَازِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ لِلْإِمَامِ إلَخْ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا ابْنُ الْكَمَالِ حَيْثُ عَلَّلَ أَوَّلًا بِمَا ذُكِرَ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا مَا قِيلَ رُبَّمَا يَكُونُ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ زُيُوفًا وَلَا يَسْتَبْدِلُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ لَا يَدْرِي كَمْ بَقِيَ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَاهُنَا شَرْطًا آخَرَ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ بِهِ يَنْدَفِعُ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُنْتَقَدًا. اهـ. لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْتَقِدْهَا لَمْ يَصِحَّ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا زُيُوفًا فَرَضِيَ بِهَا صَحَّ مُطْلَقًا بِخِلَافِ السَّتُّوقَةِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَاسْتَبْدَلَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِنْ بَعْدَهُ بَطَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الضَّرَرَ مِنْ عَدَمِ التَّبْدِيلِ فِي الْمَجْلِسِ تَأَمَّلْ عَلَى أَنَّ النَّقَّادَ قَدْ يُخْطِئُ فَيَظْهَرُ بَعْضُ الْمَنْقُودِ مَعِيبًا وَأَيْضًا فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَيَظْهَرُ بَعْضُهُ مَعِيبًا وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ الِاعْتِرَاضَ مُتَوَجَّهٌ عَلَى مَنْ عَبَّرَ بِالزُّيُوفِ، وَأَمَّا مَنْ عَبَّرَ بِالْعَيْبِ فَغَيْرُ مُتَوَجَّهٍ لِشُمُولِهِ نَحْوَ الْبُرِّ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا خَاصٌّ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>