للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى ذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَقْدِ أَوْ الْإِضَافَةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَعْدَ تَصْرِيحِ الدَّافِعِ بِكَوْنِ الْمَدْفُوعِ ثَمَنَ السَّيْفِ خَاصَّةً وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي بَيَانِ جِهَتِهِ. اهـ.

وَهَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ قَالَ هَذَا الَّذِي عَجَّلْته حِصَّةُ السَّيْفِ كَانَ عَنْ الْحِلْيَةِ وَجَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ اسْمٌ لِلْحِلْيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ تَبَعًا، وَلَوْ قَالَ هَذَا مِنْ ثَمَنِ الْجَفْنِ وَالنَّصْلِ خَاصَّةً فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَأَزَالَ الِاحْتِمَالَ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ اهـ.

وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَا إذَا قَالَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ وَلَمْ يَقُلْ خَاصَّةً فَيُوَافِقُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَأَمَّا مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا قَالَ خَاصَّةً وَحِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَالَ خُذْ هَذَا عَنْ النَّصْلِ فَلْيَتَأَمَّلْ وَسَيَتَّضِحُ بَعْدُ، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِخَمْسِينَ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ لِلرِّبَا وَإِنْ بَاعَهُ بِفِضَّةٍ لَمْ يَدْرِ وَزْنَهَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِشُبْهَةِ الرِّبَا فَفِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَفِي وَاحِدٍ يَجُوزُ وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ أَزِيدُ مِمَّا فِي الْحِلْيَةِ لِيَكُونَ مَا كَانَ قَدْرُهَا مُقَابِلًا لَهَا وَالْبَاقِي فِي مُقَابَلَةِ النَّصْلِ هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ الْحِلْيَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهَا زَكَّى فَمَا كَانَ لِجَوَازِ التَّفَاصِيلِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحِلْيَةِ مَعَ السَّيْفِ وَالطَّوْقِ مَعَ الْجَارِيَةِ بَلْ الْمُرَادُ إذَا جَمَعَ مَعَ الصَّرْفِ غَيْرَهُ فَإِنَّ النَّقْدَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ صَرْفًا بِانْضِمَامِ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا بَيْعُ الْمُزَرْكَشِ وَالْمُطَرَّزِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ بَيْعَهُ بِجِنْسِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالْأَوْلَى بَيْعُهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَوْ افْتَرَقَا بِلَا قَبْضٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ دُونَهَا إنْ تَخَلَّصَ بِلَا ضَرَرٍ وَإِلَّا بَطَلَا) أَيْ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الصَّرْفِ يَجِبُ قَبْضُهَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَكَذَا فِي السَّيْفِ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بِدُونِ ضَرَرٍ كَبَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِدُونِهِ جَازَ لِمَقْدِرَةٍ عَلَى التَّسْلِيمِ فَصَارَ كَالْجَارِيَةِ مَعَ الطَّوْقِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ سَابِقًا ثُمَّ قَالَ: قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْحِلْيَةِ وَمِنْ أَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ خَاصَّةً وَإِلَّا بَطَلَ فِي الْكُلِّ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّمْيِيزُ إلَّا بِضَرَرٍ

ــ

[منحة الخالق]

دِرْهَمًا، وَقَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ أَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ وَالْحِلْيَةِ أَوْ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ دُونَ الْحِلْيَةِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْقَابِضُ أَوْ لَمْ يَرْضَ فَهُوَ سَوَاءٌ وَاَلَّذِي نُقِدَ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ اسْتِحْسَانًا. اهـ.

وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ خَاصَّةً وَقَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ دُونَ الْحِلْيَةِ حَيْثُ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّ الثَّوْبَ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مَبِيعًا قَصْدًا فَيَتَعَيَّنُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِخِلَافِ السَّيْفِ إذَا كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ الْحِلْيَةِ إلَّا بِضَرَرٍ فَلَوْ صَحَّ النَّصُّ لَزِمَ فَسَادُ الْبَيْعِ؛؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَبَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ وَلَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُنَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّ قَوْلَهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ دُونَ الْحِلْيَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً فَلْيُتَأَمَّلْ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ قَوْلُهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا وَلَوْ بَاعَ قَلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةٌ وَثَوْبًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَنَقَدَهُ عَشَرَةً، وَقَالَ نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْقَلْبِ وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ ثُمَّ تَفَرَّقَا وَقَدْ قَبَضَ الْقَلْبَ وَالثَّوْبَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْقَلْبِ، وَأَمَّا السَّيْفُ إذَا سَمَّى فَقَالَ نِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفُهَا مِنْ ثَمَنِ نَصْلِ السَّيْفِ ثُمَّ تَفَرَّقَا لَمْ يَفْسُدْ الْمَبِيعُ. اهـ.

وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَدْفُوعُ مُسَاوِيًا لِقِيمَةِ الْحِلْيَةِ أَوْ لِوَزْنِهَا أَوْ لَا وَلَا لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يُصْرَفُ الْمَدْفُوعُ إلَى الْحِلْيَةِ فَيَكُونُ ثَمَنًا لَهَا وَيَكُونُ بَاقِي الثَّمَنِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَدْفُوعِ ثَمَنَ النَّصْلِ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا بَيْعُ الْمُزَرْكَشِ وَالْمُطَرَّزِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ حِلْيَةِ السَّيْفِ نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ مُمَوَّهًا جَازَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ بِالتَّمْوِيهِ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُصُ بَعْدَ التَّمْوِيهِ وَلَكِنْ بَقِيَ لَوْنُهَا، أَلَا تَرَى لَوْ اشْتَرَى دَارًا مُمَوَّهًا بِالذَّهَبِ بِذَهَبٍ مُؤَجَّلٍ يَجُوزُ وَلَوْ بَقِيَ عَيْنُ الذَّهَبِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ. اهـ.

وَأَقُولُ: الْمُمَوَّهُ الْمَطْلِيُّ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَالتَّمْوِيهُ الطَّلْيُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَمْوِيهِ الْكَلَامِ أَيْ تَلْبِيسِهِ وَأَقُولُ: يَجِبُ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا لَمْ تَكْثُرْ الْفِضَّةُ أَوْ الذَّهَبُ الْمُمَوَّهُ أَمَّا إذَا كَثُرَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ يَدْخُلُ فِي الْمِيزَانِ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ يَجِبُ حِينَئِذٍ اعْتِبَارُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا لَكِنْ رَأَيْته لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَوَاعِدُنَا شَاهِدَةٌ بِهِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

قُلْتُ: وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَغَالِبُ الْغِشِّ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَإِذَا اشْتَرَى لِجَامًا مُمَوَّهًا بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ أَقَلَّ مِمَّا فِيهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّمْوِيهَ لَا يَخْلُصُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى الدَّارَ الْمُمَوَّهَةَ بِالذَّهَبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>