للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تِلْكَ عَلَى مَا دُونَ الْأَكْثَرِ وَهَذِهِ عَلَيْهِ وَتَطَهَّرْنَ بِمَعْنَى طَهُرْنَ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ كَتَكَبَّرَ وَتَعَظَّمَ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى مُحَافَظَةً عَلَى حَقِيقَةِ يَطْهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَكُلٌّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ لَكِنْ هَذَا أَقْرَبُ إذْ لَا يُوجِبُ تَأَخُّرَ حَقِّ الزَّوْجِ بَعْدَ الْقَطْعِ بِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ. اهـ.

فَقَوْلُهُ وَتَطَهَّرْنَ بِمَعْنَى طَهُرْنَ إلَى آخِرِهِ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ إنَّ هَذَا الْحَمْلَ يَرُدُّهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] فَإِنَّهُ لَمْ يُقْرَأْ إلَّا بِالتَّشْدِيدِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَدْنَاهُ الْوَاقِعُ آخِرًا أَعْنِي أَنْ تَطْهُرَ فِي وَقْتٍ مِنْهُ إلَى خُرُوجِهِ قَدْرَ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمُ لَا أَعَمُّ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ إنْ تَطَهَّرْنَ فِي أَوَّلِهِ وَيَمْضِي مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْزِلُهَا طَاهِرَةً شَرْعًا كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَغْلَطُ فِيهِ، أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ لَفْظَةَ أَدْنَى وَعِبَارَةُ الْكَافِي أَوْ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِمُضِيِّ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ بِقَدْرِ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ بِأَنْ انْقَطَعَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا قَالَهُ حَقٌّ فَقَدْ رَأَيْت أَيْضًا مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّ الِانْقِطَاعَ إذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ قُرْبَانُهَا إلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ أَوْ بِمُضِيِّ جَمِيعِ الْوَقْتِ، وَإِذَا انْقَطَعَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ كَصَلَاةِ الضُّحَى وَالْعِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ. اهـ.

وَإِنَّمَا عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْأَدْنَى وَلَمْ يَقُلْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ نَفْيًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ مُضِيَّ الْوَقْتِ كُلِّهِ وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ شَرْطٌ لِلْحِلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الشَّارِحِينَ إنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ آخِرَ الْوَقْتِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْقِطَاعَ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا بُدَّ لِلْحِلِّ مِنْ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ

فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ زَمَانٌ قَدْرُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَخَرَجَ الْوَقْتُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَادَةِ فَوْقَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَاتِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَصِيغَةُ لَمْ يَقْرَبْهَا وَكَذَا التَّعْلِيلُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الِاجْتِنَابِ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْوَطْءِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ كَرَاهَةُ الْوَطْءِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ وَإِلَّا فَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ وَفِي النِّهَايَةِ تَأْخِيرُ الْغُسْلِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا وَفِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلِّهَا وَاجِبٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ تَنْتَظِرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ دُونَ الْمَكْرُوهِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ قَالَ: إذَا انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ تُؤَخِّرُ إلَى وَقْتٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ وَتُصَلِّيَ قَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ وَمَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ حُكْمَ الثَّالِثِ خِلَافُ إنْهَاءِ الْحُرْمَةِ بِالْغُسْلِ الثَّابِتِ بِقِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ فَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ.

وَيُعَارِضُهُ مَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَمَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْكَرَاهَةِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ مَعَ خِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي التَّجْنِيسِ مُسَافِرَةٌ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَتَيَمَّمَتْ ثُمَّ وَجَدَتْ مَاءً جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا لَكِنْ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَيَمَّمَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَلَمَّا وَجَدَتْ الْمَاءَ فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فَصَارَتْ كَالْجُنُبِ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ يُخْرِجُهَا مِنْ الْحَيْضِ فَيَجُوزُ قُرْبَانُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي مَا إذَا تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تُصَلِّ فَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَهُمَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا جَعَلَ التَّيَمُّمَ كَالِاغْتِسَالِ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ قَطْعُ الرَّجْعَةِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ تَرْكُهُ فَلَمْ نَجْعَلْ التَّيَمُّمَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ وَتَطَهَّرْنَ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا التَّخَلُّصُ إنْ لَوْ قُرِئَ فَإِذَا طَهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قُرِئَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ لِيَكُونَ التَّخْفِيفُ مُوَافِقًا لِلتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدُ مُوَافِقًا لِلتَّشْدِيدِ وَلَمْ يُقْرَأْ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَمْعُ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالِاغْتِسَالِ بِالْقِرَاءَتَيْنِ وَالْجَوَابُ بِالْمَنْعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا لِمَا مَرَّ مِنْ اللَّازِمِ الْمَمْنُوعِ فَيُحْمَلُ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فِي حَتَّى يَطْهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى طَهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا وَتَطَهَّرْنَ بِمَعْنَى طَهُرْنَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فَإِنَّ تَفَعَّلَ يَجِيءُ بِمَعْنَى فَعُلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى صَنِيعٍ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا انْقَطَعَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ انْقِطَاعِهِ لِأَقَلَّ مِنْ عَادَتِهَا أَوْ لِتَمَامِهَا، ثُمَّ قَوْلُهُ تَنْتَظِرُ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَقَلِّ الْعَادَةِ لِيُوَافِقَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ تَأَخُّرُ الِاغْتِسَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَفِيمَا دُونَ عَادَتِهَا بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ. اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ نَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُ نَقْلَ الْمُؤَلِّفِ عَنْهَا حَيْثُ قَالَ وَفِي النِّهَايَةِ وَتَأْخِيرُ الْغُسْلِ إلَى الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبُّ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا أَوْ لِأَقَلِّهَا وَاجِبٌ. اهـ.

وَهَذَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ لَكِنْ رَأَيْت عِبَارَةَ النِّهَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَالظَّاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>