للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْهُ مَا إذَا كَانَ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ عَلَى رَجُلٍ فَأَمَرَهُ فَضَمِنَهُ لِمَوْلَاهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ أَوْ دَيْنٍ سِوَى ذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ الْمَالِ وَاجِبٌ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِ لِمَوْلَاهُ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَخَرَجَ عَنْهُ كَمَا خَرَجَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إلَى مَحْجُورٍ عَشَرَةً لِيُنْفِقَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ إنْسَانٌ كَفَلْت بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فَإِنْ ضَمِنَ قَبْلَ الدَّفْعِ بِأَنْ قَالَ ادْفَعْ الْعَشَرَةَ إلَيْهِ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك الْعَشَرَةَ هَذِهِ يَجُوزُ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَجْعَلَ الضَّامِنَ مُسْتَقْرِضًا مِنْ الدَّافِعِ وَيَجْعَلَ الصَّبِيَّ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ إذَا بَاعَ شَيْئًا فَكَفَلَ رَجُلٌ بِالدَّرْكِ لِلْمُشْتَرِي إنْ ضَمِنَ بَعْدَمَا قَبَضَ الصَّبِيُّ الثَّمَنَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ مَحْجُورٌ اشْتَرَى مَتَاعًا وَضَمِنَ رَجُلٌ الثَّمَنَ لِلْبَائِعٍ عَنْهُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الثَّمَنُ وَلَوْ ضَمِنَ الْمَتَاعَ بِعَيْنِهِ كَانَ ضَامِنًا، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ ضَمِنَ بَدَلَ الْكِتَابَةَ وَأَدَّى رَجَعَ بِمَا أَدَّى وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَفَلَ مُسْلِمٌ عَنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ لِذِمِّيٍّ قِيلَ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ الْخَمْرَةُ بِعَيْنِهَا عِنْدَ الْمَطْلُوبِ يَصِحُّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ يَجُوزُ عِنْدَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُلْزِمَهُ نَقْلَ الْخَمْرِ كَمَا لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِنَقْلِهَا. اهـ.

وَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ صَادَرَ الْوَالِي رَجُلًا وَطَلَبَ مِنْهُ مَالًا وَضَمِنَ رَجُلٌ ذَلِكَ وَبَذَلَ الْخَطَّ، ثُمَّ قَالَ الضَّامِنُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَالِي عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ الْحِسِّيَّةَ كَالْمُطَالَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي مُؤَلَّفٍ لَهُ أَنَّ مُصَادَرَةَ السُّلْطَانِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَادَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يُوسُفَ فِي قَوْله تَعَالَى {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} [يوسف: ٥٥] قَالَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ثُمَّ نَزَعَنِي وَغَرَّمَنِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ثُمَّ دَعَانِي بَعْدُ إلَى الْعَمَلِ فَأَبَيْت فَقَالَ لِمَ وَقَدْ سَأَلَ يُوسُفُ الْعَمَلَ وَكَانَ خَيْرًا مِنْك فَقُلْتُ: إنَّ يُوسُفَ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنِ نَبِيٍّ وَأَنَا ابْنُ أُمِّيَّةَ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَنْ أَفْتِي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَأَنْ يُضْرَبُ ظَهْرِي وَيُشْتَمَ عِرْضِي وَيُؤْخَذَ مَالِي اهـ.

(قَوْلُهُ بِكَفَلْتُ عَنْهُ بِأَلْفٍ) بَيَانٌ لِأَلْفَاظِهَا وَهُوَ صَرِيحٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْأَصِيلُ مُطَالَبًا بِهِ الْآنَ أَوْ لَا فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ بِاسْتِهْلَاكٍ أَوْ قَرْضٍ وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِهِ الْآنَ كَمَا لَوْ فَلَّسَ الْقَاضِي الْمَدْيُونَ وَلَهُ كَفِيلٌ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْأَصِيلِ دُونَ الْكَفِيلِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ لَهُ مَالٌ عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِلطَّالِبِ ضَمِنْت لَك مَا عَلَى فُلَانٍ أَنْ أَقْبِضَهُ وَأَنْ أَدْفَعَهُ إلَيْك قَالَ لَيْسَ هَذَا عَلَى ضَمَانِ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَهُ مِنْ عِنْدِهِ إنَّمَا هَذَا عَلَى أَنْ يَتَقَاضَاهُ وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَعَلَى هَذَا مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ مَالِ رَجُلٍ أَلْفًا فَقَاتَلَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ وَأَرَادَ أَخْذَهَا مِنْهُ فَقَالَ رَجُلٌ لَا تُقَاتِلْهُ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهَا آخُذُهَا وَأَدْفَعُهَا إلَيْك لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ اسْتَهْلَكَ الْأَلْفَ وَصَارَتْ دَيْنًا كَانَ هَذَا

ــ

[منحة الخالق]

اهـ.

(قَوْلُهُ: فَأَمَرَهُ فَضَمِنَهُ لِمَوْلَاهُ) أَيْ فَأَمَرَ الْمُكَاتَبُ الرَّجُلَ الْمَدْيُونَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَمَرَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ لِمَوْلَاهُ فَضَمِنَهُ عَنْهُ لِمَوْلَاهُ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِ لِمَوْلَاهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَفَالَةٍ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَا يُرَدُّ بَلْ إذْنٌ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ بِالدَّفْعِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَوَالَةً إذْ لَوْ كَانَتْ لَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِمُجَرَّدِهَا. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ ضَمِنَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَأَدَّى رَجَعَ بِمَا أَدَّى) أَيْ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى ذَلِكَ لِضَمَانِهِ السَّابِقِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَكَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَصَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الرُّجُوعَ عَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا دَفَعَهُ لِلسَّيِّدِ بِسَبَبِ فَسَادِ الْكَفَالَةِ، وَقَدْ وَقَعَ إلَيْهِ الْمَالُ عَلَى ظَنِّ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ.

(قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ إلَّا لِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَرَادَ بِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ خَدَمَتَهُ الَّذِينَ يُجْبُونَ أَمْوَالَهُ وَمِنْ ذَلِكَ كَتَبَتُهُ إذَا تَوَسَّعُوا فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ خِيَانَتِهِمْ وَيَلْحَقُ بِهِمْ كَتَبَةُ الْأَوْقَافِ وَنُظَّارُهَا إذَا تَوَسَّعُوا وَعَمَّرُوا الْأَمَاكِنَ الَّتِي لَا تُنَالُ إلَّا بِعَظِيمِ الْمَالِ وَتَعَاطَوْا أَنْوَاعَ الْمَلَاهِي فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ فَلِلْحَاكِمِ أَخْذُ الْأَمْوَالِ مِنْهُمْ وَعَزْلُهُمْ فَإِنْ عَرَفَ خِيَانَتَهُمْ فِي وَقْفٍ مُعَيَّنٍ رَدَّ الْمَالَ إلَيْهِ وَإِلَّا وَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْأَحْوَالِ.

(قَوْلُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ لَهُ مَالٌ عَلَى رَجُلٍ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ قِسْمَانِ كَفَالَةٌ بِنَفْسِ الْمَالِ وَكَفَالَةٌ بِتَقَاضِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ فَرَسًا وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْغُصُوبِ فَإِذَنْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَعْيَانِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي شَرَائِطِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ أَيْضًا صَرِيحًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>