للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَا إذَا تَكَفَّلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِأَمْرِ الْمَرِيضِ وَكَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ هَلْ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ فِي التَّرِكَةِ أَوْ لَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يُطَالَبُونَ بِدَيْنِ مُوَرِّثِهِمْ بِلَا ضَمَانٍ وَالضَّمَانُ مَا زَادَهُ إلَّا تَأْكِيدًا، وَقَيَّدَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَسْأَلَةَ بِأَمْرِ الْمَرِيضِ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ قَالُوا ضَمِنَّا لِلنَّاسِ كُلَّ دَيْنٍ لَهُمْ عَلَيْك وَلَمْ يَطْلُبْ الْمَرِيضُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَالْغُرَمَاءُ غُيَّبٌ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالُوا ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ كَفَالَتِهِمْ فِي مَرَضِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَرِيضُ مِنْهُمْ ذَلِكَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالْخَانِيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَرِيضِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ جَوَازَ الضَّمَانِ بِطَرِيقِ الْإِيصَاءِ بِالْقَضَاءِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ وَبَعْضُهُمْ أَجَازُوهُ عَلَى سَبِيلِ الْكَفَالَةِ وَوَجْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَبِّرِ عَنْ غُرَمَائِهِ، وَشَرْحُ هَذِهِ الْإِشَارَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ مِنْهُ التَّصَرُّفُ الْمُبْطِلُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ وَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِلْوَرَثَةِ اضْمَنُوا الْغُرَمَاءَ فُلَانٌ عَنْهُ فَقَالُوا ضَمِنَّا يُكْتَفَى بِهِ فَكَذَا الْمَرِيضُ. اهـ. .

قَوْلُهُ (وَعَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) أَيْ وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا صَحِيحَةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِينَارَانِ فَامْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِحَقِّ الطَّالِبِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْقِطُ وَلِهَذَا يَبْقَى فِي حَقِّ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ إنْسَانٌ يَصِحُّ وَلِذَا يَبْقَى إذَا كَانَ بِهِ كَفِيلٌ وَلَهُ أَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ فِي الْمَآلِ وَقَدْ عَجَزَ بِنَفْسِهِ وَبِخَلْفِهِ فَفَاتَ عَاقِبَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَيَسْقُطُ ضَرُورَةً وَالتَّبَرُّعُ لَا يَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ كَفِيلٌ أَوْ لَهُ مَالٌ فَخَلَفَهُ إذْ الْإِفْضَاءُ إلَى الْأَدَاءِ بَاقٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ أَجْنَبِيًّا أَوْ وَارِثَ الْمَيِّتِ وَلَوْ ابْنَهُ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ عَنْ كَفَالَةٍ سَابِقَةٍ وَالْإِنْشَاءُ وَالْوَعْدُ وَحِكَايَةُ الْفِعْلِ لَا عُمُومَ لَهَا وَقَيَّدَ بِالْكَفَالَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَلَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَالَةُ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فِي حَقِّهِ لِلضَّرُورَةِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَأَبْقَيْنَاهُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ وَالرَّهْنِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُفْلِسَ مَنْ مَاتَ وَلَا تَرِكَةَ لَهُ وَلَا كَفِيلَ عَنْهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِهَا مَسْأَلَةٌ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ بَحْثِ الْمَوْتِ مِنْ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ لَوْ تَفُوتُ الذِّمَّةُ بِلُحُوقِ دَيْنٍ بَعْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَتَلَفَ بِهِ حَيَوَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْحَفْرِ الثَّابِتِ حَالَ قِيَامِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَنَدُ يَثْبُتُ أَوَّلًا فِي الْحَالِ وَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ قُوَّتِهَا حِينَئِذٍ بِهِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاسْتِيفَاءِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَبِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَلِرَبِّ الْمَالِ بِهِ) أَيْ وَبَطَلَتْ كَفَالَةُ الْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ بِالثَّمَنِ وَكَفَالَةِ الْمُضَارِبِ لِرَبِّ الْمَالِ بِالثَّمَنِ فِيمَا بَاعَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُمَا بِجِهَةِ الْأَصَالَةِ فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَرَبِّ الْمَالِ وَبِعَزْلِهِ وَلِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ وَكِيلًا عَنْ الْوَكِيلِ فِي الْقَبْضِ وَرَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمُضَارِبِ وَلِلْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ عَزْلُهُ لِرُجُوعِ الْحُقُوقِ إلَيْهِمَا وَبَرَّ الْمُشْتَرِي فِي حَلِفِهِ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْمُوَكِّلِ وَرَبِّ الْمَالِ وَحَنِثَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ بِالْبَيْعِ تَصِحُّ كَفَالَتُهُ بِالثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَمِثْلُهُ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ عَنْ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ كَالرَّسُولِ وَقَيَّدَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ لَوْ ضَمِنَ لَهَا الْمَهْرَ صَحَّ لِكَوْنِهِ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَقَيَّدْنَا بِأَنْ يَكُونَ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِقَبْضِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>