وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا جَبْرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِحْبَابِ عَدَمُ جَبْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ اسْتِحْبَابِهِ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَالْعِبَارَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرُهَا وُجُوبُ الرَّدِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ التَّصَدُّقُ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ تَرَجَّحَ الرَّدُّ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُخْتَصَرًا وَقَيَّدَ بِمَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ رِبْحَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا يُنْدَبُ رَدُّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لِلْأَصِيلِ إذَا رَدَّهُ الْكَفِيلُ أَوْ لَا وَحُكْمُهُ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصِيلُ فَقِيرًا طَابَ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ. اهـ.
وَقَيَّدَ بِالْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إذَا رَبِحَ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ وَيُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِي الرِّبْحِ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ.
قَوْلُهُ (وَلَوْ أَمَرَ كَفِيلَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَرِيرًا فَفَعَلَ فَالشِّرَاءُ لِلْكَفِيلِ وَالرِّبْحُ عَلَيْهِ) وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ مِثْلُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ تَاجِرٍ عَشَرَةً فَيَأْبَى فَيَبِيعُ مِنْهُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بَخَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا رَغْبَةً فِي نَيْلِ الزِّيَادَةِ لِيَبِيعَهُ الْمُسْتَقْرِضُ بِعَشَرَةٍ وَيَتَجَمَّدَ خَمْسَةٌ سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدَّيْنِ إلَى الْعَيْنِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَبَرَّةِ الْإِقْرَاضِ مُطَاوَعَةً لِمَذْمُومِ الْبُخْلِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَيَّ حَرِيرًا اذْهَبْ فَاسْتُقْرِضَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَسْئُولُ أَنْ يُقْرِضَك فَاشْتَرِ مِنْهُ الْحَرِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ اذْهَبْ فَاشْتَرِ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لِتَبِيعَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ الْبَائِعُ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِالْأَقَلِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ الْأَقَلَّ إلَى بَائِعِهِ فَيَدْفَعُهُ بَائِعُهُ إلَى الْمُشْتَرِي الْمَدْيُونِ فَيُسَلِّمُ الثَّوْبَ لِلْبَائِعِ كَمَا كَانَ وَيَسْتَفِيدُ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ الْأَقَلِّ وَإِنَّمَا وَسَّطَ الثَّانِيَ تَحَرُّزًا عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَإِذَا فَعَلَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ لَهُ فِي الْحَرِيرِ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي يَخْسَرُهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ حَاصِلُهَا ضَمَانُ مَا يَخْسَرُ الْمُشْتَرِي نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ كَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَمَا خَسِرَ فَعَلَيَّ وَضَمَانُ الْخُسْرَانِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَضْمُونٍ وَالْخُسْرَانُ غَيْرُ مَضْمُونٍ كَمَا لَوْ قَالَ بَايِعْ فِي السُّوقِ عَلَى أَنَّ كُلَّ خُسْرَانٍ يَلْحَقُك فَعَلَيَّ أَوْ قَالَ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ إنْ أَبَقَ عَبْدُك فَعَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَقِيلَ هُوَ تَوْكِيلٌ فَاسِدٌ وَمَعْنَى عَلَيَّ مُنْصَرِفٌ إلَى الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ يَكُونُ الْمَبِيعُ لَهُ فَأَعْنِي عَنْ قَوْلِهِ فَهُوَ تَوْكِيلٌ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِقْدَارُهُ وَلَا ثَمَنُهُ فَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي حِنْطَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهَا وَلَا ثَمَنَهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ إيفَاءُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَدْرَهُ إنَّمَا هُوَ ثَمَنُ الْحَرِيرِ الَّذِي يُبَاعُ بِهِ لَا ثَمَنُ مَا يَشْتَرِيه الْكَفِيلُ بِهِ. اهـ.
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَيَّنَ عَلَيَّ حَرِيرًا اشْتَرِ حَرِيرًا بِطَرِيقِ الْعِينَةِ وَمَا لَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ الْعَيْنُ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ لَا يُسَمَّى بَيْعَ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَرْجَعَةِ لَا الْعَيْنِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَكُلُّ بَيْعٍ بَيْعُ الْعِينَةِ وَفِي الْبِنَايَةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي هَذَا الْبَيْعِ حَصَلَتْ مِنْ الْمَجْمُوعِ فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْإِقْرَاضِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَالْبُخْلُ الْحَاصِلُ مِنْ طَلَبِ الرِّبْحِ فِي التِّجَارَاتِ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَكَانَتْ الْمُرَابَحَةُ مَكْرُوهَةً. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ ذَمُّوا الْبِيَاعَاتِ الْكَائِنَةَ الْآنَ أَشَدُّ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ لِلتِّجَارَةِ: إنَّ الْعِينَةَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ خَيْرٌ مِنْ بِيَاعَاتِكُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ فَكَثِيرٌ مِنْ الْبِيَاعَاتِ كَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالشَّيْرَجُ وَغَيْرِ ذَلِكَ اسْتِقْرَارُ وَزْنِهَا عَلَيْهَا مَظْرُوفَةً ثُمَّ إسْقَاطُ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ عَلَى الظَّرْفِ وَبِهِ يَصِيرُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِي حُكْمِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا جَبْرَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا أَعْنِي الْوُجُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ كَوْنِهِ نَمَاءُ مِلْكِهِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ شَرْعًا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّنَزُّهُ عَمَّا فِي مِلْكِهِ مِنْ الْخَبَثِ الْمُتَمَكِّنِ فِيهِ لِتَعَيُّنِهِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ إذْ لَوْ وَجَبَ حَقًّا لِلْعَبْدِ لَأَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِالْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إلَخْ) قَالَ بَعْدَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَجَّرَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ رَدَّهُ فَإِنَّ الْأَجْرَ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ. اهـ.
وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صُورَةِ مَا إذَا اتَّجَرَ فِي الْمَغْصُوبِ الْمُتَعَيَّنِ وَرَبِحَ فِيهِ وَهَذَا فِيمَا إذَا أَجَّرَ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْأَجْرَ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُ فَاسِدٌ وَلَوْ وَصَلْيَةٌ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ كَانَ الْحَاصِلُ اشْتَرِ لِي حَرِيرًا يَكُونُ ثَمَنُهُ الَّذِي تَبِيعُهُ بِهِ فِي السُّوقِ قَدْرَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْنَا وَهُوَ لَا يُعَيِّنُ قَدْرَ ثَمَنِ الْحَرِيرِ الْمُوَكِّلُ بِشِرَائِهِ بَلْ مَا يُبَاعُ بِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِيفَاءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَكَيْفَ مَا كَانَ بَعْدَ تَوْكِيلًا فَاسِدًا أَوْ ضَمَانًا بَاطِلًا انْتَهَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute