للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالدُّيُونِ الصَّحِيحَةِ حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْأَكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِك الْأَرْضِ. اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ الصَّحِيحُ الصِّحَّةُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا وَالرِّوَايَةُ بِأَوْ وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ وَالْمُرَادُ بِالنَّوَائِبِ مَا يَنُوبُهُ عَنْ رَاتِبٍ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ فِعْلٌ وَهَذَا الْفِعْلُ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَجِيءُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: ٢٨] وَالْمُرَادُ النَّصِيبُ.

وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدَاوِيُّ قَالَ مَعْنَاهَا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ عَنْ ذَلِكَ فَضَمِنَ إنْسَانًا لِيَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْقِسْمَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهَا إذَا اقْتَسَمَا ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَسْمَ صَاحِبِهِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ عَلَى هَذَا قِسْمَةً بِالضَّمِيرِ لَا بِالتَّاءِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالتَّاءِ تَجِيءُ بِمَعْنَى الْقِسْمِ بِلَا تَاءٍ وَقِيلَ هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا فَالْعَطْفُ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ وَقِيلَ مَا يَخُصُّ الرَّجُلَ مِنْهَا وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْطِفَ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ لِيَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الدِّيوَانِيَّةُ كُلُّ شَهْرٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَالنَّوَائِبُ غَيْرُ الرَّاتِبَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ثُمَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْأَفْضَلُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُسَاوِيَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ فِي إعْطَاءِ النَّائِبَةِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْحَاجَةِ وَالْجِهَادِ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَأَكْثَرُ النَّوَائِبِ تُؤْخَذُ ظُلْمًا وَمَنْ تَمَكَّنَ دَفْعَ الْمَظْلِمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ إذَا أَرَادَ الْإِعْطَاءَ فَلْيُعْطِ مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ لِفَقْرٍ لِيَسْتَعِينَ بِهِ الْفَقِيرُ عَلَى الظُّلْمِ وَيَنَالَ الْمُعْطِي الثَّوَابَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ) فَقَالَ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالدَّيْنِ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ إنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ، قَيَّدَ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ، وَقَالَ الْمَقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْأَجَلَ فِي الدَّيْنِ عَارِضٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِشَرْطٍ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ كَمَا فِي الْخِيَارِ، وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي الْكَفَالَةِ فَنَوْعٌ حَتَّى يَثْبُتَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِأَنْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الْأَصِيلِ، وَالشَّافِعِيُّ أَلْحَقَ الدَّيْنَ بِالْكَفَالَةِ وَأَبُو يُوسُفَ عَكْسُهُ وَالْفَرْقُ قَدْ أَوْضَحْنَاهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ وَالْحِيلَةُ فِيهَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَادَّعَى عَلَيْهِ وَخَافَ الْكَذِبَ إنْ أَنْكَرَ وَالْمُؤَاخَذَةَ فِي الْحَالِ إنْ أَقَرَّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي هَذَا الَّذِي تَدَّعِيهِ مِنْ الْمَالِ حَالٌّ أَمْ مُؤَجَّلٌ فَإِنْ قَالَ مُؤَجَّلًا فَلَا دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَإِنْ قَالَ حَالٌّ فَيُنْكِرُهُ وَهُوَ صَدُوقٌ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَقِيلَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا إذَا أَنْكَرَ الدَّيْنَ، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ قِبَلِي حَقٌّ؛ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ إتْوَاءَ حَقِّهِ اهـ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالدَّرَكِ فَاسْتُحِقَّتْ لَمْ يَأْخُذْ الْمُشْتَرِي

ــ

[منحة الخالق]

فَلِهَذَا صَحَّحَ عَدَمَ الرُّجُوعِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِأَمْرِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ سَوَاءٌ أَمَرَ الْأَسِيرُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيَّ، وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ فِي بِنَاءِ دَارِي. اهـ.

فَعَلِمَ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ هُوَ الْقِيَاسُ وَوَجْهُهُ مَا قُلْنَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ وَالِاسْتِحْسَانُ خِلَافُهُ وَهَذَا غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا كَمَا لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا عِنْدَ اسْتِيفَاءِ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالنَّوَائِبِ رُجُوعُ الْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ لِطَالِبِهَا الظَّالِمِ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ إعْدَامُهُ وَلَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْكَلَامِ. اهـ. وَلَعَمْرِي أَنَّهُ تَنْبِيهٌ حَسَنٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرُوا الرُّجُوعَ عَلَى الْكَفِيلِ وَكَيْفَ يَسُوغُ الْقَوْلُ بِرُجُوعِ الْمَكْفُولِ لَهُ الظَّالِمِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا مَرَّ عَنْ الرَّمْلِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَالْعِلَّةُ لَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مُسَلَّمٌ لَوْ قُلْنَا بِرُجُوعِ الظَّالِمِ عَلَى الْكَفِيلِ أَمَّا عَلَى مَا قُلْنَا فَلَيْسَ فِيهِ تَقْرِيرُ الظُّلْمِ بَلْ فِيهِ رَفْعُهُ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْكَفِيلُ يَحْبِسُ الظَّالِمُ الْمَكْفُولَ وَيَضْرِبُهُ وَيَبِيعُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَعَقَارَهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَوْ يُلْجِئُهُ إلَى بَيْعِهِ أَوْ الِاسْتِدَانَةِ بِالْمُرَابَحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُشَاهَدٌ وَبِالْكَفَالَةِ يَرْتَفِعُ كُلُّ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِلْفَهْمِ الْقَاصِرِ فَتَدَبَّرْهُ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَخَذْت مِنْ الْأَكَّارِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِك الْأَرْضِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ مِنْ جِهَةِ الْأَعْرَابِ عَلَى الْمَزَارِعِ وَيُسَمَّى فِي عُرْفِنَا فِلَاحَةُ الْعَرَبِ لَوْ أَخَذْت مِنْ الْأَكَّارِ جَبْرًا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمَا هُوَ مُرَتَّبٌ أَوْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُرَتَّبِ لِأَنَّهَا مِنْ قِسْمِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ تَأَمَّلْ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَكَّارَ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَكْفُلْ مَالِكُ الْأَرْضِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَقَدْ قِيلَ هِيَ النَّوَائِبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَقِيلَ هِيَ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>