بِالْكَفَالَةِ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ السَّيِّدِ، وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا رُجُوعُ الْكَفِيلِ فَلَهُ شَرَائِطُ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ إذْنُ مَنْ يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالدَّيْنِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ كَفَلَ عَنْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ بِإِذْنِهِ فَأَدَّى لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْكَفَالَةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ اسْتِقْرَاضٌ، وَاسْتِقْرَاضُ الصَّبِيِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فَإِذْنُهُ بِالْكَفَالَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَتَاقِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ صَالَحَ عَنْ الدَّمِ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقَتْلُ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَكَفَلَ إنْسَانٌ بِالْبَدَلِ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَرَدَّ فِي الرِّقِّ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَالِحِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكَاتَبَ حَتَّى يُعْتَقَ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا عَنْ الدَّمِ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ لَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا خَلَصَ إكْسَابُهُ بِالْحُرِّيَّةِ يُؤْخَذُ بِهِ وَلِلْمُصَالِحِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ قَبْلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَالٍ وَاجِبٍ لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ الْعِتْقِ لِإِفْلَاسِهِ وَعَجْزِهِ فَلَا تَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ عَنْ الْكَفِيلِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ بَرِئَ الْكَفِيلُ) ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ بِهِ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ عَبْدًا لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مُكَرَّرَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا لِيُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ فِي الْأُولَى رَقَبَةُ الْعَبْدِ وَهِيَ مَالٌ وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَالِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ عَلَى الْمَوْلَى رَدَّ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهٍ يُخْلِفُهَا قِيمَتَهَا، وَقَدْ الْتَزَمَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تَبْقَى الْقِيمَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا عَلَى الْكَفِيلِ، فَالْمَكْفُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كَفَالَةٌ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَهِيَ تُسْتَفَادُ أَيْضًا مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ قُيِّدَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِلْكُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ أَوْ بِنُكُولِهِ عِنْدَ التَّحْلِيفِ، وَقَدْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ قَضَى بِقِيمَةِ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ مِمَّا يَلْزَمُ عَلَى الْأَصِيلِ إلَّا إذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَصِيلِ لَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمُقِرِّ، وَلَا يَعْدُوهُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مُكَاتَبٌ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَ عَنْ الدَّمِ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَكَفَلَ رَجُلٌ بِالْعَبْدِ فَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَانَ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْمُكَاتَبُ أَيْضًا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْبَدَلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ مَعَ الْمُوجِبِ لِلتَّسْلِيمِ يُطَالَبُ بِقِيمَةِ الْبَدَلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَفَلَ عَبْدٌ عَنْ سَيِّدِهِ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ فَأَدَّاهُ، أَوْ كَفَلَ سَيِّدُهُ عَنْهُ وَأَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ) . بَيَانٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى كَفَالَةُ الْعَبْدِ عَنْ سَيِّدِهِ. وَالثَّانِيَةُ عَكْسُهُ. أَمَّا الْأُولَى فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ حَتَّى تَصِحَّ كَفَالَتُهُ بِالْمَالِ عَنْ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا صَحَّتْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَالِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ، وَهُوَ يَمْلِكُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ بِأَنْ يَرْهَنَهُ أَوْ يُقِرَّ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تَصِحَّ كَفَالَتُهُ لِحَقِّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَوِيَ عِنْدِي كَوْنُ الْمُعْتَبَرِ أَمْرَ السَّيِّدِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَأَيْت مُقَيَّدًا عِنْدِي أَنَّ مَا قَوِيَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ.
وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ قَوْلَ الْبَدَائِعِ الْآتِيَ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ فَإِذْنُهُ بِالْكَفَالَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إلَخْ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَفَالَةٍ بِدَيْنٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِلْحَالِ أَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمَوْلَى مُؤَاخَذٌ بِهَذَا الدَّيْنِ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ أَوْ الْقَضَاءِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْكَفَالَةُ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلتَّوَقُّفِ عَلَى كَوْنِهَا بِأَمْرِهِ فَيَكْفِي أَمْرُ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ ضَرَرٌ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تَصِحَّ كَفَالَتُهُ إلَخْ) نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَقَدْ كَفَلَ عَنْ الْمَوْلَى أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ بِمَالٍ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ رَقِيقًا فَإِذَا عَتَقَ لَزِمَهُ ذَلِكَ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ مَنْعُ صِحَّةِ الْإِذْنِ وَمُطَالَبَتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَيْسَ فِيهَا إضْرَارٌ بِهِمْ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ مَدْيُونًا غَيْرَ مُسْتَغْرَقٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوفِي مِنْ الْفَاضِلِ لَوْ بِالْأَمْرِ، وَيُطَالَبُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ فَمَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُونَ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْأَدَاءِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلْيُتَأَمَّلْ.