للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَاتَ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ تَقُولُ قَضَيْت دَيْنِي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: ٤] وقَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر: ٦٦] أَيْ أَنْهَيْنَاهُ إلَيْهِ وَأَبْلَغْنَاهُ ذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: ٧١] أَيْ امْضُوا إلَيَّ كَمَا يُقَالُ قَضَى فُلَانٌ أَيْ مَاتَ وَمَضَى، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ

وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاوُد أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعٌ

يُقَالُ قَضَاهُ أَيْ صَنَعَهُ وَقَدَّرَهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: ١٢] وَمِنْهُ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ، وَيُقَالُ اُسْتُقْضِيَ فُلَانٌ أَيْ صُيِّرَ قَاضِيًا. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لُغَةً بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْفَرَاغِ وَالْهَلَاكِ وَالْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ وَالْمُضِيِّ وَالصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْقَضَاءُ يُمَدُّ أَوْ يُقْصَرُ الْحُكْمُ قَضَى عَلَيْهِ يَقْضِي قَضْيًا وَقَضَاءً وَقَضِيَّةً وَهِيَ الِاسْمُ أَيْضًا إلَى آخِرِ مَا فِيهِ الثَّانِي فِي مَعْنَاهُ شَرْعًا فَعَرَّفَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْإِلْزَامِ، وَفِي الْمُحِيطِ بِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ وَفِي الْبَدَائِعِ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَهُوَ الثَّابِتُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حُكْمِ الْحَادِثَةِ إمَّا قَطْعًا بِأَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ وَهُوَ النَّصُّ الْمُفَسَّرُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْ الْمَشْهُورَةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ، وَإِمَّا ظَاهِرًا بِأَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ظَاهِرًا يُوجِبُ عِلْمَ غَالِبِ الرَّأْيِ، وَأَكْثَرُ الظَّنِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ خَبَرَ وَاحِدٍ وَالْقِيَاسُ وَذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ أَوْ الَّتِي لَا رِوَايَةَ فِيهَا عَنْ السَّلَفِ فَلَوْ قَضَى بِمَا قَامَ الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ عَلَى خِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِالْبَاطِلِ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ قَضَى فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ بِمَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَعْدُوهُمْ، وَلِذَا لَوْ قَضَى بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا فِيهِ نَصٌّ ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَاطِلٌ وَلَوْ ظَاهِرًا.

وَأَمَّا مَا لَا نَصَّ فِيهِ فَإِنَّ مُجْتَهِدًا قَضَى بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَإِذَا قَلَّدَ الْأَفْقَهَ وَسِعَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الِاجْتِهَادُ خِلَافًا لَهُمَا، وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ وَإِنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ اسْتَعْمَلَ رَأْيَهُ، وَالْأَفْضَلُ مُشَاوَرَةُ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا أَخَذَ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَقِّ ظَاهِرًا وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ عَمِلَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لَكِنْ لَا يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ قَضَى مُجَازِفًا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ لَا يُدْرَى حَالُهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَضَى بِرَأْيِهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الصَّلَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ حَفِظَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ عَمِلَ بِمَنْ يَعْتَقِدُ قَوْلَهُ حَقًّا عَلَى التَّقْلِيدِ، وَإِلَّا عَمِلَ بِفَتْوَى أَهْلِ الْفِقْهِ فِي بَلَدِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ وَسِعَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَضَى بِمَذْهَبِ خَصْمِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَنْفُذْ، وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ صَحَّ قَضَاؤُهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ.

وَعَرَّفَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّهُ إنْشَاءُ إلْزَامٍ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الْمُتَقَارِبَةِ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ النِّزَاعُ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا فَخَرَجَ الْقَضَاءُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَخَرَجَ مَا لَيْسَ بِحَادِثَةٍ وَمَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ اهـ.

وَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٌ التَّعْبِيرُ بِبَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فَفِي الْعِنَايَةِ الْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَرَّفَ بِأَنَّهُ مَلَكَةٌ تَعْصِمُ مَنْ قَامَتْ بِهِ عَمَّا يَشِينُهُ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَدَبُ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَهُ وَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْهُ، وَالْأَوْلَى التَّفْسِيرُ بِالْمَلَكَةِ؛ لِأَنَّهَا الصِّفَةُ الرَّاسِخَةُ لِلنَّفْسِ فَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ أَدَبًا كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْقَامُوسِ الْأَدَبُ مُحَرَّكَةً الظَّرْفُ وَحُسْنُ التَّنَاوُلِ أَدُبَ كَحَسُنَ أَدَبًا فَهُوَ أَدِيبٌ وَالْجَمْعُ أُدَبَاءُ اهـ.

الثَّالِثُ: فِي رُكْنِهِ وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَالْأَوَّلُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ قَوْلُ الْقَاضِي حَكَمْتُ أَوْ قَضَيْت لَيْسَ بِشَرْطٍ.

وَقَوْلُهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْمُعْتَمَدِ أُقِمْهُ وَاطْلُبْ الذَّهَبَ مِنْهُ حُكْمٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي يَكْفِي وَكَذَا إذَا قَالَ ظَهَرَ عِنْدِي أَوْ صَحَّ عِنْدِي أَوْ عَلِمْت فَهَذَا كُلُّهُ حُكْمٌ فِي الْمُخْتَارِ زَادَ فِي الْخِزَانَةِ أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>