للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشَهْرَيْنِ أَوْ بِثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُفْتِيًا أَخَذَ بِالْأَكْثَرِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَحَقُّ) أَيْ مِنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ بِالْقَبُولِ عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَبَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ مَعَ بَيِّنَةِ الْإِقْرَاضِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ جَازَ وَكَفَى، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَالِ اهـ.

وَاسْتَثْنَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ مَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مُوسِرٌ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَعْسَرْت بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ؛ لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا بِأَمْرٍ حَادِثٍ وَهُوَ حُدُوثُ ذَهَابِ الْمَالِ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِجَوَازِ حُدُوثِ الْيَسَارِ بَعْدَ إعْسَارِهِ الَّذِي ادَّعَاهُ أَطْلَقَ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ فَأَفَادَ قَبُولَهَا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا مِقْدَارَ مَا مَلَكَهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ مَا بِهِ الْيَسَارُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا دَوَامُ الْحَبْسِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا مِقْدَارَ مَا يَمْلِكُ، وَلَوْ بَيَّنُوا مِقْدَارَ مَا يَمْلِكُ لَمْ يُمْكِنْ قَبُولُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ وَفِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ مُحَمَّدٌ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْيَسَارِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ وَتَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِمِقْدَارِهِ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي جِوَارَ الشَّفِيعِ وَأَنْكَرَ مِلْكَهُ فِي الدَّارِ فَبَرْهَنَ الشَّفِيعُ أَنَّ لَهُ نَصِيبًا فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا مِقْدَارَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى الْيَسَارِ شَاهِدٌ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمِلْكِ مِقْدَارِ الدَّيْنِ فَثَبَتَ بِهَا قَدْرُ الْمِلْكِ وَفِي النَّصِيبِ لَمْ يَشْهَدُوا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ فَافْتَرَقَا اهـ.

قَوْلُهُ (وَأُبِّدَ حَبْسُ الْمُوسِرِ) ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ الْحَقِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ خَلَّدَهُ فِي الْحَبْسِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يُعَجِّلُ الْقَاضِي حَبْسَهُ أَوْ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى تَظْهَرَ مُمَاطَلَتُهُ فَقَدَّمْنَاهُ وَلِذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُؤَبِّدُ حَبْسَ الْمُوسِرِ إذَا أَقَرَّ عَلَى مَا إذَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ عِنْدَهُ مَرَّةً فَظَهَرَتْ مُمَاطَلَتُهُ.

قَوْلُهُ (وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ قَيَّدْنَا بِالِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْبَسُ فِي النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ مَالٍ وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَمُرَادُهُ أَنَّ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ الْمُجْتَمِعَةَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ لَا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ إلَّا أَنْ تُثْبِتَ الْمَرْأَةُ يَسَارَهُ، فَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِنَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ مُقَرَّرَةٍ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَ إنِّي فَقِيرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يُحْبَسُ إذَا حَلَفَ فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى يَسَارِهِ وَطَلَبَتْ حَبْسَهُ حَبَسَهُ الْقَاضِي.

(قَوْلُهُ لَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُحْبَسُ أَصْلٌ فِي دَيْنِ فَرْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ وَلَدِهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَعْنِي مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبَ الْإِعْسَارِ وَشَهِدُوا بِهِ وَمَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِيَسَارٍ حَادِثٍ بَلْ بِمَا هُوَ سَابِقٌ عَلَى الْإِعْسَارِ الْحَادِثِ وَبَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ تُحْدِثُ أَمْرًا عَارِضًا فَقُدِّمَتْ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ.

وَقَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَلْ هُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ وَمُجَرَّدُ حُدُوثِ الْيَسَارِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذْ الْكَلَامُ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ الْحَادِثِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْيَسَارِ قَبْلَهُ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مُسْتَدْرَكٌ إذْ لَا تَعَارُضَ وَالْحَالُ هَذِهِ، وَإِنَّمَا التَّعَارُضُ إذَا قَامَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْبَعْدِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ بِصَرِيحِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَكُلَّمَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مُوسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ أَعْسَرْت مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا بِأَمْرٍ حَادِثٍ وَهُوَ حُدُوثُ ذَهَابِ الْمَالِ اهـ.

فَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ إلَخْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ تَوَهُّمٍ يَقَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْإِفَادَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ تَأَمَّلْ اهـ.

قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ فَإِنْ أَحْضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بَعْدَ الْحَبْسِ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَا بِالْعَدَمِ فَشَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْكِتَابِ أَقْبَلُ ذَلِكَ وَأُخْرِجُهُ عَنْ الْحَبْسِ وَأُفَلِّسُهُ، وَقَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى النِّهَايَةِ لَوْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ وَادَّعَى الطَّالِبُ الْيَسَارَ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْقُنْيَةِ) حَيْثُ قَالَ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِلْمَحْبُوسِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَالْبَيِّنَةُ مَتَى قَامَتْ لِلْمُنْكِرِ لَا تُقْبَلُ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ مُوسِرٌ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيُقْبَلُ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا وَقَالُوا إنَّهُ يَمْلِكُ الْعَقَارَ الْفُلَانِيَّ مَثَلًا، وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَمْلِكُ ذَلِكَ الْعَقَارَ وَهُمْ يَشْهَدُونَ لَهُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَالْبَيِّنَةُ مَتَى قَامَتْ لِلْمُنْكِرِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا إنَّهُ مُوسِرٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا لَهُ بِمِلْكِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ تَكُنْ شَهَادَةً لَهُ بَلْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ إدَامَةِ الْحَبْسِ فَتُقْبَلُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَعَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْ حَبْسِ الْأَبِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِابْنِهِ إذَا حَبَسَ الِابْنُ الْكَفِيلَ هَلْ لِلْكَفِيلِ حَبْسُ الْأَبِ فَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَوَالِي أَنَّهُ إذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْهُ لَا يُحْبَسُ إذَا حُبِسَ هُوَ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ فِي الْكَفَالَةِ وَقَالَ بِهِ يُشْعِرُ قَضَاءُ الْخُلَاصَةِ وَكَتَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>