وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ سَعْيًا فِي هَلَاكِهِمْ، وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْوَلَدَ بِالصِّغَرِ وَالْفَقْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَالِغًا زَمِنًا فَقِيرًا لَا يُحْبَسُ أَبُوهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لَا يَخْفَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَعَلَى زَوْجَتِهِ يُحْبَسُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَتَحَقَّقُ الِامْتِنَاعُ بِأَنْ تَقَدَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ فَرْضِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَ مِقْدَارُ النَّفَقَةِ قَلِيلًا كَالدَّانِقِ إذَا رَأَى الْقَاضِي ذَلِكَ فَأَمَّا بِمُجَرَّدِ فَرْضِهَا لَوْ طَلَبَتْ حَبْسَهُ لَمْ يَحْبِسْهُ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تُسْتَحَقُّ بِالظُّلْمِ وَهُوَ بِالْمَنْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْرَضْ لَهَا وَلَمْ يُنْفِقْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا فِي يَوْمٍ يَنْبَغِي إذَا قَدَّمَتْهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فَإِنْ رَجَعَ فَلَمْ يُنْفِقْ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ سَقَطَتْ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ ظَالِمٌ لَهَا، وَهُوَ قِيَاسُ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْقَسْمِ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَرَفَعَتْهُ يَأْمُرُهُ بِالْقَسْمِ وَعَدَمِ الْجَوْرِ فَإِنْ ذَهَبَ وَلَمْ يَقْسِمْ فَرَفَعَتْهُ أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً، وَإِنْ كَانَ مَا ذَهَبَ لَهَا مِنْ الْحَقِّ لَا يُقْضَى وَيَحْصُلُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ اهـ.
وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ صَاحِبَ مَائِدَةٍ وَعَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُضَارُّهَا فِي الْإِنْفَاقِ فَرَضَ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ دَرَاهِمَ بِقَدْرِ حَالِهِمَا، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ شَيْئًا حُبِسَ حَتَّى يَفْرِضَ اهـ.
وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ إذَا امْتَنَعَ فَلَا حَاجَةَ إلَى فَرْضِ الزَّوْجِ لِيَحْبِسَ إذَا امْتَنَعَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[منحة الخالق]
الْحَبْسِ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْوَلَدَ بِالصِّغَرِ وَالْفَقْرِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ عَنْ الْبَالِغِ الزَّمِنِ الْفَقِيرِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّغِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى فَيُحْبَسُ أَبُوهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ فَهِمَ شَيْخُنَا فِي بَحْرِهِ مِنْهُ أَنَّهُ احْتِرَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَفْرِضُ إذَا امْتَنَعَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ إذَا حُمِلَ قَوْلُهُ وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute