وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي مِنْهَا قَيَّدَ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ ضَمِنَ لِمَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مِنْ الْحُدُودِ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى مُحْصَنٍ بِالزِّنَا فَرَجَمَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ وَجَدَ أَحَدَهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَدِيَتُهُ عَلَى الْقَاضِي وَيَرْجِعُ الْقَاضِي بِذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى ظَهَرَ خَطَؤُهُ فِيمَا قَضَى بِيَقِينٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا قَضَى بِهِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ كَالْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ فِي الْمَالِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِيَدِ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَخَذَهُ الْقَاضِي وَرَدَّهُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَرَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي رَجْمٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ فِي سَرِقَةٍ ضَمِنَ الْقَاضِي وَرَجَعَ بِمَا ضَمِنَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ فَسَقَةٌ لَمْ يَضْمَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ خَطَأَ الْقَاضِي إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِغَيْرِ شَهَادَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَنَا اهـ.
وَالْمَنْقُولُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُحِيطِ الْمَذْكُورُ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ عَدَمُ ضَمَانِ الْقَاضِي إذَا أَخْطَأَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْحُدُودِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ لَهُمْ فَاسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ وَهُوَ عَلَى الْغُرَمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ وَوَصِيَّ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا إلَّا فِي مَسَائِلَ ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَوَائِدِ فَهُوَ نَائِبُ الْمَيِّتِ لَا الْقَاضِي بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَوْ نَصَبَ وَصِيًّا فَاشْتَرَى مِنْهُ صَحَّ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ وَشِرَاءُ الْقَاضِي مِنْ أَمِينِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَالتَّقْيِيدُ بِأَمْرِ الْقَاضِي اتِّفَاقِيٌّ وَلِيَعْلَمَ حُكْمَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِالْأَوْلَى وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْحَصِيرِيُّ وَأَمْرُ الْقَاضِي وَعَدَمُ أَمْرِهِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ وَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ رَجَعَ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.
وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَصَحَّحَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ السُّرْخَكَتِيُّ عَدَمَ الرُّجُوعِ فِي الْأُولَى فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالسُّرْخَكَتِيِّ بِضَمِّ السِّينِ فَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْكَافِ وَفِي آخِرِهَا التَّاءُ ثَالِثُ الْحُرُوفِ نِسْبَةٌ إلَى سُرْخَكَتَ قَرْيَةٍ بِثَغْرِ حَسَّانَ سَمَرْقَنْدَ يُنْسَبُ إلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَاعِلٍ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الطَّبَقَاتِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبَيْعَ لِلْغُرَمَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَارِثَ مَعَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إنْ كَانَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ الْبَيْعَ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْوَصِيِّ مِنْ الْوَصَايَا أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالثُّلُثِ وَيَعْتِقَ فَبَانَ بَعْدَ الِائْتِمَارِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِالثُّلُثَيْنِ فَشِرَاءُ الْقَاضِي عَنْ الْمُوصِي كَيْ لَا يَصِيرَ خَصْمًا بِالْعُهْدَةِ وَإِعْتَاقُهُ لَغْوٌ لِتَعَدِّي الْوَصِيَّةِ وَهِيَ الثُّلُثُ بَعْدَ الدَّيْنِ وَشِرَاءُ الْوَصِيِّ وَعِتْقُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِلْمِلْكِ ضَمِنَ الْخِلَافَةَ كَالْوَكِيلِ وَقِيلَ يَعْذِرُهُ أَبُو يُوسُفَ بِالْجَهْلِ تَفْرِيعًا عَلَى الْغَبْنِ وَإِنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْأَمِينِ يَنُوبُ عَنْ الْمَيِّتِ لَا الْقَاضِي لِمَا مَرَّ فِي بَيْعِ الْغَنَائِمِ وَيَعْتِقُ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا اشْتَرَى الْقَاضِي أَوْ غَرِمَ الْوَصِيُّ وَفَاءً بِالْوَصِيَّةِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ يَخْرُجُ الْأَوَّلُ مِنْ ثُلُثِهِ فَيَنْقَلِبَ الْوِفَاقُ إلَيْهِ وَالْخِلَافُ إلَى الثَّانِي وَيَنْعَكِسُ الْجَوَابُ. اهـ.
وَفِي شَرْحِهِ هُنَا مَرَّ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَنَائِمِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ إنَّ تَصَرُّفَ أَمِينِ الْإِمَامِ كَتَصَرُّفِ الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ وَتَصَرُّفُ الْإِمَامِ حُكْمٌ وَكَذَا تَصَرُّفُ أَمِينِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْغَانِمِينَ بِأَنْ اشْتَرَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَزِيَادَةٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَا عِنْدَهُمَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ يَجُوزُ كَوَصِيِّ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَقَامَهُ مَقَامَ الْمَيِّتِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ لَا مَقَامَ نَفْسِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ بِنَفْسِهِ أَقَامَهُ وَتَصَرُّفُ الْمَيِّتِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُرِيدَ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ عَدَمَ اسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِرُجُوعِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ وَالرُّجُوعُ فِيهَا بِمَا ضَمِنَهُ لِلْمُشْتَرِي وَفِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالرُّجُوعِ فِيهَا بِمَا ضَمِنَهُ لِلْوَصِيِّ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ أَيْضًا أَيْ كَمَا يَرْجِعُ بِدَيْنِهِ (قَوْلُهُ ثَالِثُ الْحُرُوفِ) أَيْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ لَا حُرُوفِ الْكَلِمَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ الْأَمِينِ) لَعَلَّهُ فِعْلُ الْأَمِينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute