للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَتَى تَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا تَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى النَّاسِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلِذَا لَا بُدَّ مِنْ عَدَالَةِ الْأُصُولِ فَلَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَهُ حُجَّةً بِلَا أَمْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ آخَرَ عَلَى شَهَادَتِهِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ غَيْرَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُلْزِمَةٌ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُلْزِمَةً إلَّا بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَيْدَيْنِ آخَرَيْنِ لِجَوَازِهَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ: الْأَوَّلَ أَنْ يَقْبَلَ التَّحْمِيلَ فَلَوْ أَشْهَدَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَا أَقْبَلُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَاهِدًا حَتَّى لَوْ شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ لَا يَقْبَلَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ تَحْمِيلٌ فَلَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ مَنْ حَمَّلَ غَيْرَهُ شَهَادَةً لَمْ تَبْطُلْ بِالرَّدِّ. الثَّانِيَ أَنْ لَا يَنْهَاهُ الْأَصِيلُ بَعْدَ التَّحْمِيلِ عَنْهَا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ حَضَرَ الْأَصْلَانِ وَنَهَيَا الْفُرُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ صَحَّ النَّهْيُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ.

وَفِي النَّوَازِلِ النَّصْرَانِيُّ إذَا أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ اهـ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّهُ أَشْهَدَ نَصْرَانِيًّا مِثْلَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشْهَدَ مُسْلِمًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَيَّدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي صَحِيحَةٌ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا الْقَاضِي عَلَيْهِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا سَمِعَاهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ الْأَحْوَطُ. اهـ.

وَجَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي الْمِعْرَاجِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْقَضَاءَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ وَمَنْ سَمِعَ الْحُجَّةَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا اهـ.

وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ مِنْ الْبَابِ الْأَرْبَعِينَ ضَاعَ سِجِلٌّ مِنْ دِيوَانِ الْقَاضِي فَشَهِدَ كَاتِبَاهُ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَمْضَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُهُ وَلَوْ ضَاعَ إقْرَارُ رَجُلٍ فَشَهِدَ كَاتِبَاهُ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ ضَاعَ مَحْضَرٌ مِنْ دِيوَانِهِ فِيهِ شَهَادَةُ شُهُودٍ بِحَقٍّ لَا يَذْكُرُهُ الْقَاضِي فَشَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِكَذَا لَا يَقْبَلُهَا الْقَاضِي وَلَا يُنْفِذُهُ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يَحْمِلَاهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِشَهَادَةِ الْكُلِّ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا لَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْخِزَانَةِ لَوْ قَالَ اشْهَدْ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ اشْهَدْ عَلَيَّ مَا شَهِدْت بِهِ كَانَ بَاطِلًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ

ــ

[منحة الخالق]

وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ وَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا وَقَدْ مَرَّ فِي هَذِهِ الْقَوْلَةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اشْتِرَاطُهُ وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَإِلَيْهِ مَالَ الْإِمَامُ خواهر زاده وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ شَخْصِهَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا إلَى آخِرِ مَا قَدَّمَهُ وَتَقَدَّمَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ أَخْبَرَ الشَّاهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ يَكْفِي لِلشَّهَادَةِ عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ أَبُو السُّعُودِ فَتَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ وَجْهِ الْمَرْأَةِ اهـ.

(تَنْبِيهٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهَا أَمَّا إذَا عَرَفَهَا فَيَشْهَدُ عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا وَلَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا رَأَى وَجْهَهَا ثُمَّ تَنَقَّبَتْ فَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِهَا مَثَلًا فِي حَالِ تَنَقُّبِهَا فَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ مِنْ غَيْرِهِ إذْ تَعْرِيفُ غَيْرِهِ حِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَنَقِّبَةً وَكَانَ يَعْرِفُهَا قَبْلُ فَعَرَفَهَا بِصَوْتِهَا وَهَيْئَتِهَا وَلَمْ يَرَ وَجْهَهَا وَقْتَ التَّنَقُّبِ أَوْ الْإِقْرَارِ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فَفِي الْعِمَادِيَّةِ قَالُوا لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ بِدُونِ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا وَبِهِ يُفْتِي شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ اهـ.

وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا عَرَفَهَا بِصَوْتِهَا أَوْ لَا وَفِي الْبِيرِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِطٍ أَوْ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ وَإِنْ عَرَفَ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَقْرَبُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا إلَّا إذَا رَأَى شَخْصَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي النَّوَادِرِ رُؤْيَةَ وَجْهِهَا اهـ.

وَانْظُرْ كَلَامَ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُنَا حَذْفٌ وَلَعَلَّهُ بَعْدَ قَوْلِهَا أَنَّهَا فُلَانَةُ وَعِنْدَهُمَا يَكْتَفِي بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ ثُمَّ رَاجَعْت النَّوَازِلَ فَوَجَدْتهَا كَمَا أَصْلَحْتهَا ثُمَّ قَالَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُوك يَقُولَانِ يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ.

(قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُلْزِمَةً لَا بِالْقَضَاءِ) أَيْ لَا تَكُونُ مُلْزِمَةً لِلْخَصْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُحَقِّقِ أَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِهَا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بِهَا إلَّا فِي مَوَاضِعَ تَقَدَّمَتْ فِي الْقَضَاءِ وَمَا ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ ثُمَّ قَالَ وَيُخَالِفُهُ تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِ اهـ.

وَعِبَارَةُ الصَّدْرِ سَمِعَ رَجُلٌ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَمْ يَسَعْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ قَيْدَيْنِ آخَرَيْنِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ هُنَا بَيَانَ أَحْكَامِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ شُرُوطَهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ بَابٌ مَخْصُوصٌ سَيَأْتِي وَمُرَادُهُ هُنَا إظْهَارُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمَرْئِيَّاتِ فِي اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ وَعَدَمِهِ فَتَدَبَّرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>