للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقَرَّ بِقَبْضِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ قِيَاسًا عَلَى الْغَصْبِ ادَّعَى أَنَّهُ أَهْلَكَ أَقْمِشَتِي كَذَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَشَهِدَ أَنَّهُ بَاعَ وَسَلَّمَ لِفُلَانٍ يُقْبَلُ لِأَنَّهُ إهْلَاكٌ وَلَوْ ذَكَرَا بَيْعًا لَا تَسْلِيمًا لَا يَكُونُ شَهَادَةً بِإِهْلَاكٍ ثُمَّ قَالَ: ادَّعَى شِرَاءً مِنْهُ فَشَهِدَا بِشِرَاءٍ مِنْ وَكِيلِهِ تُرَدُّ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا بَاعَ وَهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجَازَ بَيْعَهُ ثُمَّ قَالَ: ادَّعَى أَنَّ مَوْلَايَ أَعْتَقَنِي وَشَهِدَا أَنَّهُ حُرٌّ تُرَدُّ لِأَنَّهُ يَدَّعِي حُرِّيَّةً عَارِضَةً وَشَهِدَا بِحُرِّيَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُصْرَفُ إلَى حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَهِيَ زَائِدَةٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَقِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا أَنَّهُ حُرٌّ شَهِدَا بِنَفْسِ الْحُرِّيَّةِ قَالَ: وَالْأَمَةُ لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَنِي وَشَهِدَا أَنَّهَا حُرَّةٌ تُقْبَلُ إذْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ هُنَا فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْقِنِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ فِي الْقِنِّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْأَمَةِ إذْ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْقِنِّ عِنْدَهُمَا كَالْأَمَةِ وَلَوْ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَشَهِدَا أَنَّ فُلَانًا حَرَّرَهُ قِيلَ: تُرَدُّ وَقِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَاهُ اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطًا وَإِلَّا فَلَا وَلِذَا لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَشَهِدَا بِالْخُلْعِ تُقْبَلُ كَمَا سَيَأْتِي.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى تُقْبَلُ بِلَا تَوْفِيقٍ وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا وُفِّقَ فَلَوْ ادَّعَى أَلْفًا فَشَهِدَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَقَالَ الْمُدَّعِي: كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ إلَّا أَنِّي أَبْرَأْتُهُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ: اسْتَوْفَيْت مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشُّهُودُ تُقْبَلُ وَكَذَا فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ التَّوْفِيقِ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ إذَا كَانَ سَبَبًا لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ وَلَا يَنْفَرِدُ بِإِثْبَاتِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ بِالشِّرَاءِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ بِالْهِبَةِ فَإِنَّ ثَمَّةَ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا الْإِبْرَاءُ فَيَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ هُنَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّ التَّوْفِيقَ إذَا كَانَ مُمْكِنًا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ التَّوْفِيقَ تَصْحِيحًا لِلشَّهَادَةِ وَصِيَانَةً لِكَلَامِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ثَابِتَةٌ صُورَةً فَإِذَا كَانَ التَّوْفِيقُ مُرَادًا تَزُولُ الْمُخَالَفَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّوْفِيقُ مُرَادًا لَا تَزُولُ بِالشَّكِّ فَإِذَا ادَّعَى التَّوْفِيقَ ثَبَتَ التَّوْفِيقُ وَزَالَتْ الْمُخَالَفَةُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده أَنَّ مُحَمَّدًا شَرَطَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دَعْوَى التَّوْفِيقِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْبَعْضِ وَذَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ادَّعَى التَّوْفِيقَ أَوْ ذَاكَ جَوَابُ الْقِيَاسِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: مَا كَانَ لِي عَلَيْهِ إلَّا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَطْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الْعَيْنِ فَلَوْ ادَّعَى كُلَّ الدَّارِ فَشَهِدَا بِنِصْفِهَا قُضِيَ بِالنِّصْفِ مِنْ غَيْرِ تَوْفِيقٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.

وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا أَكْذَبَ شُهُودَهُ فِي جَمِيعِ مَا شَهِدُوا بِهِ لَهُ أَوْ بَعْضِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ إمَّا لِأَنَّهُ تَفْسِيقٌ لِلشَّاهِدِ أَوْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى فَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِدَارٍ لِرَجُلٍ فَقَالُوا: هَذَا الْبَيْتُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ رَجُلٌ آخَرُ غَيْرُ الْمُدَّعِي فَقَالَ الْمُدَّعِي: لَيْسَ هُوَ لِي فَقَدْ أَكْذَبَ شُهُودَهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى لَهُ وَلَا لِفُلَانٍ بِشَيْءٍ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ لَمْ يَكُنْ لِي إنَّمَا هُوَ لِفُلَانٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَجَزْت إقْرَارَهُ لِفُلَانٍ وَجَعَلْت لَهُ الْبَيْتَ وَأَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْبَيْتِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْبَيْتِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَذَّبَ شُهُودَهُ إنَّمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ إذَا كَذَّبَهُمْ فِيمَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى بِهِ أَمَّا إذَا صَدَّقَهُمْ فِيهَا وَكَذَّبَهُمْ فِي شَيْءٍ زَادُوهُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: شَهِدَ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا غَصَبَ عَبْدَهُ وَلَكِنَّهُ قَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَمَاتَ عِنْدَ مَوْلَاهُ فَقَالَ: الْمَغْصُوبُ مِنْهُ: لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيَّ وَإِنَّمَا مَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَقَالَ: الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَا غَصَبْتُهُ عَبْدًا وَلَا رَدَدْتُهُ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا مِنْ شَيْءٍ قَالَ: إذَا لَمْ يَدَّعِ شَهَادَتَهُمَا ضَمَّنْتُهُ الْقِيمَةَ.

وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ غَصَبَهُ عَبْدًا لَهُ فَجَاءَ مَوْلَاهُ قَتَلَهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقَالَ: الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَا قَتَلْتُهُ وَلَكِنَّهُ قَدْ غَصَبَهُ وَمَاتَ عِنْدَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى تُقْبَلُ بِلَا تَوْفِيقٍ) اُنْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي شَرْحِ الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ دَعْوَى النِّتَاجِ وَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ لَيْسَ هُوَ لِي) لَعَلَّهُ لَهُ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَدَّعِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَدَّعِ الزَّائِدَ لَا مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ التَّأَمُّلِ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>