الْحَقِّ لِحُصُولِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْبَعْضِ بِالِاسْتِيفَاءِ عَنْ الْبَعْضِ بِالْإِسْقَاطِ.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ بِوَزْنِ سَمَرْقَنْدَ فَشَهِدُوا فَسَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَزْنِ فَقَالَ بِوَزْنِ مَكَّةَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إنْ كَانَ وَزْنُ مَكَّةَ مِثْلَ وَزْنِ سَمَرْقَنْدَ أَوْ أَقَلَّ وَإِلَّا فَلَا ادَّعَتْ أَنَّهَا اشْتَرَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِنْ زَوْجِهَا بِمَهْرِهَا وَشَهِدُوا أَنَّ زَوْجَهَا أَعْطَاهَا مَهْرَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْرِيَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا تُقْبَلُ اهـ.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَسَيَأْتِي قَرِيبًا ثَمَانٍ أُخَرُ فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ وَاثْنَانِ فِي الْمُقَيَّدِ بِسَبَبٍ وَالْمُطْلَقِ فَصَارَتْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ الْمَانِعَةَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ بِهِ أَكْثَرَ فَفِي كُلِّ صُورَةٍ قَالُوا بِالْمَنْعِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَالُوا بِالْقَبُولِ مَعَ صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ وَكَانَ كَذَلِكَ فِي عِتْقِ الْجَارِيَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فِي كَلَامِهِمْ.
(قَوْلُهُ ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَغَتْ) أَيْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ ادَّعَى مِلْكًا حَادِثًا وَهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ قَدِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُطْلَقِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعِي بِزَوَائِدِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْحَادِثِ وَتَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَصَارَا غَيْرَيْنِ وَالتَّوْفِيقُ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الْحَادِثَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا وَلَا الْقَدِيمُ حَادِثًا وَقَدْ جَعَلَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الشِّرَاءِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالدَّارِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْقَرْضِ فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَا تُقْبَلُ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ وَعِنْدِي الْوَجْهُ الْقَبُولُ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الدَّيْنِ لَا مَعْنَى لَهُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا دَيْنًا فَشَهِدَا أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا وَلَا نَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ دَفَعَ قِيلَ: لَا تُقْبَلُ وَالْأَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ أَنْ تُقْبَلَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَرَكَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرْطَيْنِ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَدَّعِيَهُ مِنْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ بِأَنْ قَالَ: مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَذَكَرَ شَرَائِطَ الْمَعْرِفَةِ أَمَّا إذَا قَالَ: مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ قَالَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَالشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ الثَّانِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ الْقَبْضَ مَعَ الشِّرَاءِ فَإِنْ ادَّعَاهُمَا فَشَهِدُوا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِمَا يَكُونُ لَهُ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ لِلْمِلْكِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ تُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِكَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى لَا يُقْضَى بِالزِّيَادَةِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمِلْكَ الْمُؤَرِّخَ أَقْوَى مِنْهُ بِلَا تَارِيخٍ فَلَوْ أَرَّخَ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَأَطْلَقَ شُهُودُهُ لَا تُقْبَلُ وَفِي عَكْسِهِ الْمُخْتَارُ الْقَبُولُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَأَرَّخَهُ فَشَهِدُوا لَهُ بِلَا تَارِيخٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعَى بِزَوَائِدِهِ) فَاعِلُ يَسْتَحِقُّ ضَمِيرُ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمُدَّعَى بِالْفَتْحِ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْمِلْكُ الْمُطْلَقُ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الزَّوَائِدِ وَفِي رُجُوعِ الْبَاعَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا لَهُ بِالزَّائِدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ إلَى مَعْنًى آخَرَ فَقَالَ: الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِمَنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ ثُمَّ ادَّعَى الِانْتِقَالَ إلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِالِانْتِقَالِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ اهـ.
وَبِهَذَا الْمَعْنَى الْآخَرِ ظَهَرَ وَجْهُ مَا يَأْتِي مِنْ الْقَبُولِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ مَجْهُولٍ وَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَعِنْدِي الْوَجْهُ الْقَبُولُ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْفَتْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا ثَمَنُ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ مِنِّي وَقَبَضَهُ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا ثَمَنُ مَتَاعٍ اشْتَرَاهُ مِنِّي وَقَبَضَهُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ لَهُ بِالْخَمْسِمِائَةِ مُطْلَقًا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبٍ وَشَهِدَ الشُّهُودُ مُطْلَقًا أَنَّهُ تُقْبَلُ عَلَى الدَّيْنِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ مِنْ قَبْلُ اهـ.
وَهُوَ مَا تَفَقَّهَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. قُلْت وَفِي نُورِ الْعَيْنِ وَقِيلَ: تُقْبَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَنَّ الْعَيْنَ تَحْتَمِلُ الزَّوَائِدَ فِي الْجُمْلَةِ وَحُكْمُ الْمُطْلَقِ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِزَوَائِدِهِ وَالْمِلْكُ بِسَبَبٍ بِخِلَافِهِ فَيَصِيرُ بِالسَّبَبِ مُكَذِّبًا لِشُهُودِهِ بِالْمُطْلَقِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الزَّوَائِدَ فَلَا إكْذَابَ فَافْتَرَقَا اهـ.
وَهَكَذَا حَرَّرَهُ مُلَّا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ فِي مَجْمُوعَتِهِ الْكُبْرَى (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَدَّعِيَهُ مِنْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: أَمَّا لَوْ ادَّعَى مِنْ مَجْهُولٍ بِأَنْ يَقُولَ: شَرَيْتُهُ مِنْ مُحَمَّدٍ أَوْ أَحْمَدَ فَبَرْهَنَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ يُقْبَلُ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِبَائِعِهِ وَهُوَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِمَجْهُولٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الشِّرَاءَ فش قِيلَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْمَجْهُولِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَدَّعِيهِ (قَوْلُهُ الثَّانِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ الْقَبْضَ مَعَ الشِّرَاءِ إلَى قَوْلِهِ تُقْبَلُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَحَكَى فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ خِلَافًا قِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ الْقَبْضِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى تَعْيِينُ الْعَبْدِ وَقِيلَ: لَا لِأَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِهَا لَا كَالْمُطْلَقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالزَّوَائِدِ فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَأَرَّخَهُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِدُونِ تَارِيخٍ أَقْوَى