الْوَكِيلِ عِنْدَ الْإِمَامِ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ نَعَمْ إنْ قَيَّدَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ اُشْتُرِطَ وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقَصْدِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ بَيْعِ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ فَخَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ لَا فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ وَلِذَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْوَكِيلُ إذَا اخْتَلَطَ عَقْلُهُ بِشَرَابِ نَبِيذٍ وَيَعْرِفُ الشِّرَاءَ وَالْقَبْضَ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ شِرَاؤُهُ وَلَوْ اخْتَلَطَ بِبَنْجٍ وَيَعْرِفُ الشِّرَاءَ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْتُوهِ اهـ.
(قَوْلُهُ بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ) بَيَانٌ لِضَابِطِ الْمُوَكِّلِ فِيهِ وَلَيْسَ حَدًّا فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ الْخَمْرِ وَيَمْلِكُ تَوْكِيلَ الذِّمِّيِّ بِهِ لِأَنَّ إبْطَالَ الْقَوَاعِدِ بِإِبْطَالِ الطَّرْدِ لَا الْعَكْسِ وَلَا يُمْكِنُ طَرْدُهُ عَدَمَ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا بِبَيْعِ خَمْرِهِ وَهُوَ يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّوَصُّلَ بِهِ بِتَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ بِهِ فَصَدَقَ الضَّابِطُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ كُلُّ عَقْدٍ يَمْلِكُهُ يَمْلِكُ تَوْكِيلَ كُلِّ أَحَدٍ بِهِ بَلْ التَّوَصُّلُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ بِلَا إذْنٍ وَتَعْمِيمٍ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْعَقْدَ الَّذِي وَكَّلَ بِهِ وَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ لِنَفْسِهِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْأَبُ وَالْجَدُّ يَمْلِكَانِ شِرَاءَ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَلَا يَمْلِكَانِ التَّوْكِيلَ بِهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالِاسْتِقْرَاضَ فَإِنَّهُ يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ فَيَقَعُ لِلْوَكِيلِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَلَمْ يَجِبْ عَنْهُ وَالْجَوَابُ مَنْعُ عَدَمِ صِحَّتِهِ بِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ إنْ وَكَّلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ فَإِنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الِاسْتِقْرَاضَ إلَى الْمُوَكِّلِ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ وَإِلَّا كَانَ لِلْوَكِيلِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ أَلْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ رَسُولَهُ فُلَانًا وَزَعَمَ الْإِعْطَاءَ وَأَقَرَّ الرَّسُولُ وَأَنْكَرَ الْمُسْتَقْرِضُ دَفْعَ الْمُقْرِضِ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَقْرِضَ شَيْءٌ اهـ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: صَحَّ التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَاضِ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ وَفِي الْقُنْيَةِ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الْقَرْضِ يَصِحُّ بِأَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ: أَقْرِضْنِي ثُمَّ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِقَبْضِهِ يَصِحُّ اهـ.
وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِكُلِّ مَا يُبَاشِرُهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْعَقْدَ وَغَيْرَهُ فَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْ إفْرَادِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ.
(قَوْلُهُ وَبِالْخُصُومَةِ فِي الْحُقُوقِ بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مُدَّةَ السَّفَرِ أَوْ مُرِيدًا لِلسَّفَرِ أَوْ مُخَدَّرَةً) أَيْ وَصَحَّ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بِشَرْطِ رِضَا الْخَصْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقَصْدِ بِالِاحْتِرَازِ عَنْ بَيْعِ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ فَخَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ إلَخْ) سَبَقَهُ إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ يَعْقُوبُ بَاشَا ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَيَقْصِدُهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَعْقِدُ وَالْعَطْفُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَنَّهُ بِالْقَصْدِ يُعْلَمُ كَمَالُ الْعَقْدِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ طَرْدُهُ إلَخْ) لَعَلَّهُ وَلَا يَبْطُلُ طَرْدُهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْأَبُ وَالْجَدُّ إلَخْ) وَفِي التَّبْيِينِ قُبَيْلَ الْغَصْبِ أَنَّهُ يَصِحُّ فَلَا يُرَدُّ قَالَ شَيْخُنَا ثُمَّ ظَهَرَ لِي تَسْلِيمُ الْوُرُودِ وَأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي السِّرَاجِ وَالتَّبْيِينِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَمَلُّكَ مَالِ وَلَدِهِ بِالتَّوْكِيلِ بِشِرَائِهِ أَيْ قَصْدًا وَمَا فِي التَّبْيِينِ إنَّمَا مَلَكَ تَمَلُّكَهُ لِكَوْنِهِ فِي ضِمْنِ التَّوْكِيلِ بِبَيْعِهِ فَمَلَكَ الشِّرَاءَ مَنْ وَكَّلَهُ الْبَيْعَ اهـ.
فَإِنْ قَالَ الْأَبُ لِشَخْصٍ: وَكَّلْتُك بِبَيْعِ عَبْدِ ابْنِي مِنِّي كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ مَنْعُ عَدَمِ صِحَّتِهِ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ وَلَا يُرَدُّ الِاسْتِقْرَاضُ لِأَنَّ مَحِلَّ الْعَقْدِ مِنْ شُرُوطِهِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي يَسْتَقْرِضُهَا الْوَكِيلُ مِلْكُ الْمُقْرِضِ وَالْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّخَلُّفِ الْمَانِعِ وَقَيْدُ عَدَمِ الْمَانِعِ فِي الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزٌ فَعَلَى هَذَا لَا نَقْضَ بِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ نُورِ الْعَيْنِ رَجُلٌ بَعَثَ رَجُلًا لِيَسْتَقْرِضَهُ فَأَقْرَضَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ فَلَوْ قَالَ: أَقْرِضْ لِلْمُرْسِلِ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَقْرِضْنِي لِلْمُرْسِلِ ضَمِنَ رَسُولُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَاضِ جَائِزٌ لَا بِالِاسْتِقْرَاضِ وَالرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ تَجُوزُ وَلَوْ أَخْرَجَ وَكِيلُ الِاسْتِقْرَاضِ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ يَقَعُ الْقَرْضُ لِلْآمِرِ وَلَوْ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ أَمْرِهِ يَقُولُ الْحَقِيرُ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزُوا التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ ظَنًّا أَنَّهُ لَا مَحِلَّ فِيهِ لِعَقْدِ الْوَكَالَةِ وَقَدْ أَطَالَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَفِي زَمَانِ تَدْرِيسِي كُنْت كَتَبْت فِي هَذَا الْمَبْحَثِ رِسَالَةً طَوِيلَةَ الذُّيُولِ لَطِيفَةً بِحَيْثُ قَبِلَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْفُحُولِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَحِلَّ الْعَقْدِ فِيهِ عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ الْوَكِيلُ سَفِيرًا مَحْضًا فَلَا بَأْسَ أَصْلًا فِي أَنْ تُسَمَّى الرِّسَالَةُ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَكَالَةً كَمَا تُسَمَّى الرِّسَالَةُ بِالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِ وَكَالَةً وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا قَالَ الْإِمَامُ الْكَاشَانِيُّ فِي الْبَدَائِعِ: وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْقَرْضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَمَا قَالَ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزٌ لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ وَكَالَةً لَمَا دُفِعَ لِلْمُوَكِّلِ فِيمَا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: حَالُ الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ لَا بِعَيْنِهِ إذَا اشْتَرَاهُ يَكُونُ هُوَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الشِّرَاءَ لِمُوَكِّلِهِ إذْ الْعَقْدُ إلَى دَرَاهِمِ مُوَكِّلِهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَزَعَمَ) أَيْ الْمُقْرِضُ وَقَوْلُهُ وَأَقَرَّ الرَّسُولُ أَيْ بِالْقَبْضِ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَقْرِضَ شَيْءٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهَلْ يَلْزَمُ الرَّسُولَ الْجَوَابُ؟ لَا لِأَنَّهُ أَمِينٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ نَفْسِهِ لَا فِي لُزُومِ الدَّيْنِ ذِمَّةَ الْمُسْتَقْرِضِ كَرَسُولِ الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ إلَى الدَّائِنِ إذَا أَنْكَرَ وُصُولَهُ إلَيْهِ وَادَّعَى الرَّسُولُ إيصَالَهُ إلَيْهِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ بَرَاءَةِ الدَّائِنِ تَأَمَّلْ.