للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمِنْهُمْ مَنْ نَظَرَ إلَى ظَاهِرِهِ فَنَفَى التَّحَالُفَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مُرَادُهُ التَّحَالُفُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ جَرَيَانِهِ بِأَنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى يَمِينِ الْوَكِيلِ هُنَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعَى وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا فِي التَّحَالُفِ فَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ وَالْمُوَكِّلُ مُنْكِرٌ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِهِمَا قَيَّدَ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا لِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي تَسْمِيتَةِ فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَشْتَرِيَهُ لِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ: أَمَرْتَنِي بِالشِّرَاءِ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ الْمَأْمُورَ لِمُخَالَفَتِهِ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَقَدَّمْنَا بَحْثًا لَوْ دَفَعَ الْآخَرُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَى آخَرَ فَدَفَعَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْآمِرُ: إنَّمَا أَمَرْتُكَ بِدَفْعِهِ إلَى غَيْرِهِ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَمَرْتَنِي بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَاسْتَشْهَدْنَا لَهُ بِفَرْعِ الْمُضَارَبَةِ فَرُبَّمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا بِجَامِعِ أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْوَكِيلَيْنِ أَمِينٌ لَكِنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْأَمْرُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ بَائِعًا وَنَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ ضَمَانٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّمَانُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ أَمِينٌ فَافْتَرَقَا إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَقَوْلِي هُنَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ تَسْمِيَتِهِ الثَّمَنَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَهَذَا فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ بِأَلْفٍ إذْ الْمَسْأَلَةُ إنَّمَا فَرَضَهَا الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَهُوَ سَهْوٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أَخَاهُ فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: لَيْسَ هَذَا بِأَخِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ عَلَى الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ أَخُو الْمُوَكِّلِ وَعَتَقَ عَلَى مُوَكِّلِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ سَيِّدِهِ بِأَلْفٍ وَدَفَعَ فَقَالَ لِسَيِّدِهِ اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ فَالْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ لِسَيِّدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ) لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ عَنْهُ إذْ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ الْحُقُوقُ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ اعْتَاقَا أَعْقَبَ الْوَلَاءَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِلْمَوْلَى فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَتُهُ لِلْمُعَاوَضَةِ وَأَمْكَنَ بِهَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَيُحَافَظُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ ثَمَنًا لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ هُنَاكَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فَفِي الْحَالَيْنِ الْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْعَاقِدِ.

وَأَمَّا هَاهُنَا أَحَدُهُمَا إعْتَاقٌ مُعَقِّبٌ لِلْوَلَاءِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ لَا يَرْضَاهُ وَيَرْغَبُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ وَقَوْلُهُ وَالْأَلْفُ لِسَيِّدِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ: وَعَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى بَدَلَ الْإِعْتَاقِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ أَلْفٌ ثَمَنُ الْعَبْدِ لِبُطْلَانِ الْأَدَاءِ فِيهِمَا لِاسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى مَا أَدَّاهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ فَكَانَ مَمْلُوكًا قَبْلَ الشِّرَاءِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ وَأَشَارَ بِاحْتِيَاجِ الْوَكِيلِ إلَى إضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ الْمُوَكِّلِ إلَى أَنَّهُ سَفِيرٌ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ فَالْمُطَالَبَةُ بِالْأَلْفِ الْأُخْرَى عَلَى الْعَبْدِ لَا عَلَى الْوَكِيلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ إعْتَاقٌ مَعْنًى وَإِنْ كَانَ شِرَاءً صُورَةً لَنْ تُعْتَبَرَ فِيهِ أَحْكَامُ الشِّرَاءِ وَلِذَا صَرَّحَ فِي الْمِعْرَاج بِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ إلَى الْعَطَاءِ صَحَّ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَدْخُلُهُ خِيَارُ شَرْطٍ وَفِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ عَبْدٌ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَمَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْعَبْدِ وَحِصَّةِ الشَّرِيكِ بَاطِلٌ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَبَ إذَا اشْتَرَى وَلَدَهُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدٍ: اشْتَرِ لِي نَفْسَكَ مِنْ مَوْلَاكَ فَقَالَ لِلْمَوْلَى: بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ عَتَقَ) بَيَانٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مُرَادُهُ التَّحَالُفُ إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنْ لَفْظُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ يُصَدَّقُ فِيمَا قَالَ وَفِي التَّحَالُفِ لَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ التَّحَالُفَ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا بَحْثًا إلَخْ) أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ) الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَكِيلِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ غَيْرُ الْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْآمِرِ سَوَاءٌ أَعْلَمَ الْوَكِيلُ الْبَائِعَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ وَهُنَا مَا لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِلْعَبْدِ لَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ ثَمَّةَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ شَرَاهُ وَفِي الْحَالَيْنِ الْمُطَالَبَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى الْوَكِيلِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَفِيمَا إذَا بَيَّنَ الْوَكِيلُ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِلْعَبْدِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ بَدَلًا عَنْ مِلْكِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>