فِي الشَّرْحِ الْخَامِسَةُ قَالَ: لِوَكِيلِي طَلَاقٌ لَا يُطَلِّقُ أَحَدٌ دُونَ صَاحِبِهِ وَلَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْآخَرُ أَوْ طَلَّقَ وَاحِدٌ ثُمَّ أَجَازَهُ الْآخَرُ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا وَكَذَا فِي وَكِيلِي عَتَاقٌ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِلَا بَدَلٍ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا بِبَدَلٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِالْخُلْعِ فَخَلَعَهُمَا أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ خَلَعَهَا أَحَدُهُمَا وَأَجَازَ الْآخَرُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقُولَ الْآخَرُ خَلَعْتُهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَرَدُّ وَدِيعَةٍ) لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ فَرَدُّ أَحَدِهِمَا كَرَدِّهِمَا وَلَوْ قَالَ وَرَدُّ عَيْنٍ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَبِيعِ فَاسِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِالرَّدِّ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِرْدَادِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْقَبْضُ بِدُونِ صَاحِبِهِ لِإِمْكَانِ اجْتِمَاعِهِمَا وَلِلْمُوَكِّلِ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ حِفْظَ اثْنَيْنِ لَيْسَ كَحِفْظِ وَاحِدٍ فَإِذَا قَبَضَهُ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ كُلَّهُ لِأَنَّهُ قَبْضٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ النِّصْفَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِقَبْضِ النِّصْفِ قُلْنَا ذَاكَ مَعَ إذْنِ صَاحِبِهِ وَأَمَّا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ فَغَيْرُ مَأْمُورٍ بِقَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ) فَهُوَ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَاقْتِضَاؤُهُ فَهُوَ كَاسْتِرْدَادِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الْهِبَةَ فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَكَّلَهُمَا الْوَاهِبُ فِي تَسْلِيمِ الْهِبَةِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ وَإِذَا وَكَّلَهُمَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي قَبْضِهَا مِنْ الْوَاهِبِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فَالْأَوَّلُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالثَّانِي كَاسْتِرْدَادِهَا وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الْوَصِيِّ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَهَبَا هَذِهِ الْعَيْنَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَوْهُوبَ لَهُ عِنْدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ وَإِنْ عَيَّنَ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْكُلِّ اهـ.
فَلَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ الْهِبَةَ لِلْمُعَيَّنِ لَكَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ هَكَذَا وَإِذَا وَكَّلَ اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا فِي كُلِّ تَمْلِيكٍ أَوْ عَقْدٍ فِيهِ بَدَلٌ اهـ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْهِبَةُ لِمُعَيِّنٍ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ وَلَهُ الِانْفِرَادُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ اسْتِرْدَادُ الْعَيْنِ وَالِاقْتِضَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ فِيهِمَا وَلَا تَمْلِيكَ وَلَا عَقْدَ كَمَا وَرَدَ عَلَى الْكَنْزِ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَرَدَ مَا عَدَا الْوَدِيعَةَ وَالْهِبَةَ لِلْمُعَيَّنِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا إلَّا فِي خُصُومَةٍ وَعِتْقِ مُعَيَّنٍ وَطَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ بِلَا بَدَلٍ وَتَعْلِيقٍ بِمَشِيئَتِهِمَا وَتَدْبِيرٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَغْصُوبٍ وَمَبِيعٍ فَاسِدٍ وَتَسْلِيمٍ وَهِبَةٍ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَكَالَةَ وَالْوَصَايَا وَالْمُضَارَبَةَ وَالْقَضَاءَ وَالتَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ سَوَاءٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ وَالْأَوَّلَانِ فِي الْكِتَابِ وَالْمُضَارَبَةُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَدَّمْنَا حُكْمَ الْقَاضِيَيْنِ فِي الْقَضَاءِ وَالنَّاظِرِ إمَّا وَكِيلٌ أَوْ وَصِيٌّ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا.
(قَوْلُهُ وَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ دُونَ التَّوْكِيلِ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي الْآرَاءِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ لِوُجُودِ الرِّضَا أَوْ يَقُولَ لَهُ بِرَأْيِكَ لِإِطْلَاقِ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ وَإِذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ بِلَا إذْنٍ فَدَفَعَ لَهُ الْمَدْيُونُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بَرِئَ وَإِلَّا فَإِنْ وَكَّلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ بَرِئَ وَإِلَّا لَا فَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الثَّانِي كَانَ لِلْغَرِيمِ تَضْمِينُهُ وَلِلثَّانِي الرُّجُوعُ عَلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي وَإِذَا وَكَّلَ بِإِذْنٍ أَوْ تَفْوِيضٍ كَانَ الثَّانِي وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ وَشِرَائِهِ وَقَالَ لَهُ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا بِذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الْوَكِيلُ الْأَعْلَى فَالْوَكِيلُ الْأَسْفَلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْوَكِيلُ الَّذِي وَكَّلَهُ جَازَ وَلَوْ أَخْرَجَهُ الْمُوَكِّلُ كَانَ إخْرَاجُهُ جَائِزًا أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا اهـ.
فَقَدْ صَحَّحَ عَزْلَ الْوَكِيلِ لِوَكِيلِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ صَارَ وَكِيلَ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ اصْنَعْ مَا شِئْتَ فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ.
وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَعَلَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَهُ إلَى صُنْعِهِ فَقَدْ رَضِيَ بِصُنْعِهِ وَعَزْلُهُ مِنْ صُنْعِهِ وَفِيهَا إذَا وَكَّلَ ثُمَّ قَالَ لِلْوَكِيلِ فُلَانًا فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ: وَكِّلْ فُلَانًا إنْ شِئْتَ أَوْ وَكِّلْ مَنْ شِئْت فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ اهـ.
وَالْمُرَادُ لَا يُوَكِّلُ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ فَيَخْرُجُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْقَبْضُ بِدُونِ صَاحِبِهِ) أَيْ بِدُونِ صَاحِبِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ نَصِّ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ كَمَا وَرَدَ عَلَى الْكَنْزِ قَضَاءُ الدَّيْنِ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ سَابِقًا كَذَا فِي السِّرَاجِ قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُودَهُ فِي الْمَتْنِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ فِيمَا كُتِبَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَرَأَيْتُهُ فِي مَتْنٍ مُجَرَّدٍ (قَوْلُهُ وَالنَّاظِرُ إمَّا وَكِيلٌ أَوْ وَصِيٌّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَكِيلٌ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكِيلُ الْوَاقِفِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لِنَفْسِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ اهـ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الْمُرَادُ نَفْيُ النَّفَاذِ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ بِدُونِهِمَا فَأَجَازَ الْمُوَكِّلُ نَفَذَ فَيَكُونُ فُضُولِيًّا يُعْلِمُ هَذَا قَوْلُهُمْ كُلَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ بِهِ إذَا بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ يَتَوَقَّفُ اهـ.
قُلْت: وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: هَاهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ فِي صُورَةِ أَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ لِتَنَاوُلِ الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ الْعَزْلَ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْخُلَاصَةِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُؤَلِّفُ ظُهُورَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ عَزْلَهُ فَهُوَ مِنْ صُنْعِهِ فَهُوَ مِنْ رَأْيِهِ أَيْضًا تَأَمَّلْ.