للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَفْعُ الْحَدَثِ أَوْ إقَامَةُ الصَّلَاةِ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْكَافِي فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا لَا يَخْفَى وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ لَا تَكْفِي فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى إزَالَةِ الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ فَلَمْ يَنْوِ خُصُوصَ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، فَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَرَفْعَ الْحَدَثِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوُضُوءِ رَفْعُ الْحَدَثِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ أَوَّلًا، وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْوُضُوءِ وَسَقَطَ بِهِ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى مَعَ أَنَّ الْوُضُوءَ أَخَصُّ مِنْ رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْغُسْلَ فَعَلَى هَذَا نِيَّةُ الْوُضُوءِ أَوْلَى قَالُوا الْمُعْتَبَرُ قَصْدُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَ أَوْ اسْتِبَاحَتَهَا أَوْ امْتِثَالَ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَلَا يَتَأَتَّى الْأَخِيرُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ إذْ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ وَشَرْطُهَا فَرْضٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَهِيَ لُغَةً عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ وَاصْطِلَاحًا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَادِ الْفِعْلِ

وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الثَّوَابُ دُونَ الْمُنْهَيَاتِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْعِقَابُ فَالصَّوَابُ أَنْ تُفَسَّرَ النِّيَّةُ بِتَوَجُّهِ الْقَلْبِ نَحْوَ إيجَادِ الْفِعْلِ وَتَرْكِهِ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ حَالًا أَوْ مَآلًا اهـ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ لَيْسَ هُوَ الْكَفَّ الَّذِي هُوَ الِانْتِهَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَالرَّاجِحُ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ فَهُوَ فِي النَّهْيِ كَفُّهُ النَّفْسَ فَحِينَئِذٍ دَخَلَ فِي إيجَادِ الْفِعْلِ وَفِي الصِّحَاحِ الْعَزْمُ إرَادَةُ الْفِعْلِ وَالْقَطْعُ عَلَيْهِ وَالْقَصْدُ إتْيَانُ الشَّيْءِ وَذَكَرَ الْيَمَنِيُّ فِي شَرْحِ الشِّهَابِ ثُمَّ النِّيَّةُ مَعْنًى وَرَاءَ الْعِلْمِ فَهِيَ نَوْعُ إرَادَةٍ كَالْقَصْدِ وَالْعَزِيمَةِ وَالْهَمِّ وَالْحُبِّ وَالْوُدِّ فَالْكُلُّ اسْمٌ لِلْإِرَادَةِ الْحَادِثَةِ لَكِنَّ الْعَزْمَ اسْمٌ لِلْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَصْدَ اسْمٌ لِلْمُقْتَرِنِ بِالْفِعْلِ وَالنِّيَّةَ اسْمٌ لِلْمُقْتَرِنِ بِالْفِعْلِ مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْعِلْمِ بِالْمَنْوِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ، فَإِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ قُعُودِهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَرِيدًا لِلْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ إرَادَتُهُ الْقِيَامَ وَقَدْ يَرْكَعُ الرَّجُلُ وَيَسْجُدُ ذَاهِلًا عَنْ مَعْرِفَةِ إرَادَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُهُمَا بِدُونِ الْإِرَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ صِنْوُ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا الْمَفْقُودُ الْعِلْمُ لَا غَيْرَ؛ وَلِذَا قُلْنَا لِلْمُكْرَهِ إرَادَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِمُقَابَلَةِ إرَادَةِ الْمُكْرِهِ لَكِنْ قَدْ تُذْكَرُ النِّيَّةُ مَقَامَ الْعَزِيمَةِ كَمَا فِي قَوْلِنَا وَنَوَى الصَّوْمَ بِاللَّيْلِ أَيْ عَزَمَ عَلَيْهِ، وَأَطَالَ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ فِي غَيْرِ التَّوَضُّؤِ بِسُؤْرِ الْحَمَامِ وَبِنَبِيذِ التَّمْرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ وَوَقْتُهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي التَّوَضُّؤِ بِسُؤْرِ الْحِمَامِ أَوْ بِنَبِيذِ التَّمْرِ فَشَرْطٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ مَعْزِيَّيْنِ إلَى الْكِفَايَةِ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا فِي كَوْنِهِ مِفْتَاحًا؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ

ــ

[منحة الخالق]

فِيهِ بِالثَّلَاثِ عَلَى التَّثْلِيثِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَمَا يَأْتِي فَوُضُوءُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ فِيهِ تَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمِيَاهٍ عِنْدَنَا فَتَرْجِعُ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا» إلَخْ إذَا لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ بِنَاءً عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَنَا مِنْ وُضُوئِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ مَا نَصُّهُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ قَالَ فِي الْكَافِي: التَّثْلِيثُ يَعْنِي بِمِيَاهٍ يُقَرِّبُهُ مِنْ الْغُسْلِ وَلَوْ بَدَّلَهُ بِهِ كُرِهَ كَذَا إذَا قَرَّبَهُ مِنْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) عِبَارَتُهُ هَكَذَا وَنِيَّتُهُ أَيْ نِيَّةُ الْوُضُوءِ فَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إلَى الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ يَنْوِي الطَّهَارَةَ وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ فِي التَّيَمُّمِ تَكْفِي، فَكَذَا هَاهُنَا فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الشَّخْصِ الْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ وَنِيَّةُ الرَّجُلِ الصَّلَاةَ فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ إمَّا عَائِدٌ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ يَنْوِي الطَّهَارَةَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ نِيَّةُ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَّا أَنْ يُقَاسَ عَلَى التَّيَمُّمِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ وَمِثْلُهَا الْوُضُوءُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ شَيْءٌ وَحِينَئِذٍ فَاعْتِرَاضُ الشَّارِحِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ أَوَّلًا حَيْثُ أَرْجَعَ الضَّمِيرَ إلَى الْوُضُوءِ وَمُقَدَّمًا لَهُ وَاحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَتْنِ أَرْجَعَهُ إلَى الْمُتَوَضِّئِ وَصَاحِبُ الدَّارِ أَدْرَى وَثَانِيًا بِأَنَّ الْوُضُوءَ وَرَفْعَ الْحَدَثِ سَوَاءٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ مَا أَوْرَدَهُ بِقَوْلِهِ وَالْمَذْهَبُ إلَخْ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ هُوَ حَقِيقَةُ الْوُضُوءِ فَنِيَّةُ الْوُضُوءِ لَا تَكُونُ مُخَالِفَةً لِلْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَخْ) قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحَدَثَ مُتَنَوِّعٌ إلَى أَكْبَرَ وَأَصْغَرَ وَقَدْ كَفَى نِيَّةُ رَفْعِهِ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ. اهـ.

قُلْت قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَكْبَرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَصْغَرِ فَالْحَدَثُ، وَإِنْ تَنَوَّعَ فَالْمَقْصُودُ، وَهُوَ الْأَصْغَرُ حَاصِلٌ إمَّا اسْتِقْلَالًا وَإِمَّا ضِمْنًا بِخِلَافِ الْخَبَثِ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) لِمُنَافَاتِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>