(قَوْلُهُ (وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ وَالتَّعْبِيرُ بِأَوْ يُفِيدُ أَنَّ التَّصْدِيقَ مُعْتَبَرٌ مُرَجَّحٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّارِيخِ مِنْهُمَا أَوْ مَعَ اسْتِوَاءِ تَارِيخِهِمَا أَوْ مَعَ تَارِيخِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ السَّبْقَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَرَّخَا وَسَبَقَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا وَأَطْلَقَ فِي اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ عِنْدَ عَدَمِ السَّبْقِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْآخَرِ أَوْ دَخَلَ بِهَا فَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّصْدِيقِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ وَلَا يُعْتَبَرَانِ مَعَ سَبْقِ تَارِيخِ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ صَرِيحًا وَهُوَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَرَّخَ فَقَطْ فَإِنَّهَا لِمَنْ أُقِرَّتْ لَهُ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ كَمَا لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلِلْآخَرِ يَدٌ فَإِنَّهَا لِذِي الْيَدِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَرْهَنَا وَأَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَلَا إقْرَارَ فَهِيَ لِصَاحِبِ التَّارِيخِ كَمَا فِيهِمَا أَيْضًا فَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِسَبْقِ التَّارِيخِ أَوْ بِالْيَدِ أَوْ بِإِقْرَارِهَا لَهُ أَوْ دُخُولِ أَحَدِهِمَا اهـ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ أَوْ بِتَارِيخٍ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمَا عَلِمْته.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَرَّخَ فَقَطْ قُدِّمَ إنْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارٌ لِلْآخَرِ وَلَا بُدَّ فَإِنْ وُجِدَ إقْرَارٌ لِأَحَدِهِمَا وَيَدٌ لِلْآخَرِ قُدِّمَ ذُو الْيَدِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَهِيَ فِي بَيْتِ الْآخَرِ فَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ أَرْجَحُ مِنْ الْكُلِّ ثُمَّ الْيَدُ ثُمَّ الدُّخُولُ ثُمَّ الْإِقْرَارُ ثُمَّ ذُو التَّارِيخِ وَأَطْلَقَ فِي التَّصْدِيقِ فَشَمِلَ مَا إذَا سَمِعَهُ الْقَاضِي أَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ مُدَّعِيهِ بَعْدَ إنْكَارِهَا لَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ زَيْدٍ بَعْدَمَا زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ عَمْرٍو وَهُمَا يَدَّعِيَانِ فَهِيَ امْرَأَةُ زَيْدٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا هُوَ فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لِأُخْتَيْنِ تَزَوَّجْت فَاطِمَةَ بَعْدَ خَدِيجَةَ فَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَخَدِيجَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ عَبَّرَ بِإِقْرَارِهَا وَبَعْضَهُمْ بِتَصْدِيقِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ هُنَا وَلَكِنْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ اللِّعَانِ فَإِنْ أَبَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ أَوْ تُصَدِّقَهُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتُحَدَّ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ وَيُعْتَبَرُ فِي دَرْئِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ اللِّعَانُ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ اهـ.
وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ غَيْرُهُ صَدَقْت حُدَّ الْمُبْتَدِئُ دُونَ الْمُصَّدِّقِ وَلَوْ قَالَ صَدَقْت هُوَ كَمَا قُلْت فَهُوَ قَاذِفٌ أَيْضًا اهـ.
وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي الثَّانِيَةِ لِلْعُمُومِ فِي كَافِ التَّشْبِيهِ لَا لِلتَّصْدِيقِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ صَدَقْت أَيَكُونُ إقْرَارًا مُلْزِمًا لِلْمَالِ قُلْت نَعَمْ يُنَافِي التَّلْخِيصَ لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ الْحَقُّ أَوْ الصِّدْقُ أَوْ الْيَقِينُ فَهُوَ إقْرَارٌ لِأَنَّهُ لِلتَّصْدِيقِ عُرْفًا وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ إلَى آخِرِ مَا فِيهِ فَإِنْ قُلْت إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَقَالَ هُوَ صَادِقٌ أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فَقَالَ صَدَقْتُمَا أَوْ فَهُمَا صَادِقَانِ فَهَلْ يَكُونُ إقْرَارًا قُلْت لَمْ أَرَهَا الْآنَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إقْرَارًا إلَّا إذَا قَالَ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ أَوْ شَهِدَا بِهِ لِلِاحْتِمَالِ أَمَّا لَوْ قَالَ إنْ شَهِدَ عَلَيَّ اثْنَانِ فَهُوَ عَلَيَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ حَلَفَ فَعَلَى مَا ادَّعَى بِهِ فَحَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَكَذَا هُنَا وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ شَهِدَ فُلَانٌ فَعَلَيَّ لَا يَلْزَمُهُ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ بَابِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى تَعْدِيلِ الْخَصْمِ لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا شَهِدَ الشَّاهِدُ هُوَ عَدْلٌ صَادِقٌ
ــ
[منحة الخالق]
مَا مَضَى أَيْضًا وَهَذَا قَيْدٌ لَازِمٌ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى لَوْ اُشْتُهِرَ مَوْتُ رَجُلٍ عِنْدَ النَّاسِ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ دَارِهِ مُنْذُ سَنَةٍ وَكَانَ مَوْتُهُ قَدْ اُشْتُهِرَ عِنْدَ النَّاسِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَدَفَعَهُ بِذَلِكَ يَجِبُ قَبُولُهُ لِمَا ذُكِرَ تَأَمَّلْ ثُمَّ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنَّتِهِ رَأَيْت مَا يَشْهَدُ بِهِ صَرِيحًا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي التَّهَاتُرِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ الشُّهُودَ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فَأَقَامَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَيْ الْقَاضِي مَاتَ فِي سَنَةِ كَذَا إلَخْ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِ إذَا كَانَ مَوْتُ الْقَاضِي قَبْلَ تَارِيخِ شُهُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْتَفِيضًا اهـ. مَعَ غَايَةِ الِاخْتِصَارِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالتَّصْدِيقِ فِي رُتْبَةِ التَّرْجِيحِ بِسَبْقِ التَّارِيخِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ صَدَّقَتْ مَنْ لَمْ يَسْبِقْ تَارِيخُهُ لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهَا وَيُقْضَى بِالنِّكَاحِ لِمَنْ سَبَقَ تَارِيخُهُ لِأَنَّ سَبْقَ التَّارِيخِ أَرْجَحُ ثُمَّ الْيَدُ ثُمَّ الدُّخُولُ ثُمَّ الْإِقْرَارُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَارِيخُ الْآخَرِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إقْرَارٌ ضِمْنًا فَلَا يُسْتَدْرَكُ بِهِ عَلَى مَا قَالُوهُ هُنَا وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ صَحِيحٌ فِي الْحُكْمِ أَمَّا فِي أَصْلِ الْمَفْهُومِ فَلَا لِاخْتِلَافِهِمَا لُغَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قُلْت نَعَمْ لِمَا فِي التَّلْخِيصِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ صَدَقْت يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَقُلْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالنَّغْمَةِ اهـ.
فَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا اسْتَنْبَطَهُ وَأَقُولُ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ صَدَرَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ أَمْ لَا فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الِاسْتِهْزَاءِ بِيَمِينِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَقَالَ الْحَقُّ أَوْ الصِّدْقُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ الْحَقُّ حَقٌّ وَالْيَقِينُ يَقِينٌ أَوْ الصِّدْقُ صِدْقٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا (قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا بَحَثَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ رَأَيْت بِدُونِ ضَمِيرٍ