لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ بَائِعُهُمَا لَمْ يَتَرَجَّحْ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا وَلَا الْمُؤَرِّخُ فَقَطْ لِأَنَّ مِلْكَ بَائِعِهِمَا لَا تَارِيخَ لَهُ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ ادَّعَيَا الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَلَمْ يَدَّعِيَا الشِّرَاءَ مِنْ ذِي الْيَدِ فَلَا تَرْجِيحَ لِصَاحِبِ التَّارِيخِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ (وَإِلَّا فَلِذِي الْقَبْضِ) أَيْ وَإِلَّا يَسْبِقْ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ قُدِّمَ بُرْهَانُهُ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا تَنْقَضِي الْيَدُ الثَّابِتَةُ بِالشَّكِّ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ تَقْدِيمُ صَاحِبِ الْقَبْضِ سَوَاءٌ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا وَأُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ صَاحِبُهُ إذَا سَبَقَ تَارِيخُ غَيْرِهِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَعْلَى مَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا قُصُورٌ وَلِي أَشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هُوَ أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضَةٌ فِي خَارِجَيْنِ يُنَازِعَانِ فِيمَا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَإِذَا كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ ذَا يَدٍ تَنَازَعَ مَعَ خَارِجٍ فَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْرَاجِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ جَوَازِ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ قَبْضَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْآنَ فِي يَدِ الْبَائِعِ اهـ.
إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ اهـ.
وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهَا وَحَاصِلُهَا أَنَّ خَارِجًا وَذَا يَدٍ ادَّعَى كُلٌّ الشِّرَاءَ مِنْ ثَالِثٍ وَبَرْهَنَا قُدِّمَ ذُو الْيَدِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَالْخَارِجُ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ الْهِبَةِ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى ذِي يَدٍ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَالْآخَرُ عَلَى الْهِبَةِ مِنْهُ كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ قَيَّدَ بِاتِّحَادِ الْمِلْكِ لَهُمَا إذْ لَوْ اخْتَلَفَا اسْتَوَيَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلِّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّحَدَ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَادَّعَى آخَرُ هِبَةً وَقَبَضَا مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ إرْثًا مِنْ أَبِيهِ وَالرَّابِعُ صَدَقَةً وَقَبَضَا مِنْ آخَرَ غَيْرِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْحُجَّةِ إذْ تَلَقَّوْا الْمِلْكِ مِنْ مُمَلِّكِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَبَرْهَنُوا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ اهـ.
وَأَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا تَارِيخَ لَهُمَا إذْ لَوْ أَرَّخَا مَعَ اتِّحَادِ الْمِلْكِ كَانَ الْأَسْبَقُ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمِلْكُ وَلَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَالْمُؤَرَّخَةُ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا خَارِجَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْخَارِجِ إلَّا فِي أَسْبَقِ التَّارِيخِ فَهُوَ لِلْأَسْبَقِ وَإِنْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَلَا تَرْجِيحَ لَهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا إلَّا فِي أَسْبَقِ التَّارِيخِ فَهِيَ لَهُ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا لَا يُقْسَمُ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَأَمَّا فِيمَا يُقْسَمُ كَالدَّارِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِمُدَّعِي الشِّرَاءَ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْهِبَةِ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الْهِبَةَ فِي الْكُلِّ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْآخَرُ نِصْفَهُ بِالشِّرَاءِ وَاسْتِحْقَاقُ نِصْفِ الْهِبَةِ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْهِبَةِ فَكَانَ مُدَّعِي الشِّرَاءِ مُنْفَرِدًا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيُفْسِدُ الرَّهْنَ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الْهِبَةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمُقَيَّدَةٌ
ــ
[منحة الخالق]
تَارِيخًا يُضِيفُ الْمِلْكَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّارِيخِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا وَادَّعَيَا الْمِلْكَ بِلَا تَارِيخٍ وَجْهُ قُوَّةِ الْأَوَّلِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ وَيُرَجِّحُهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَا لَوْ ادَّعَى ذَوَا يَدَيْنِ شِرَاءً مِنْ اثْنَيْنِ فِي الْكُتُبِ صَرِيحًا غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْوَجِيزِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ مِلْكًا مُطْلَقًا وَكَذَا لَوْ ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ اثْنَيْنِ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ بَائِعُهُمَا لَمْ يَتَرَجَّحْ أَسْبَقُهُمَا) قُلْت سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَعَلَى الشِّرَاءِ مِنْ آخَرَ نَقْلٌ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِلْكَافِي وَأَنَّهُ سَهْوٌ بَلْ يُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ نَعَمْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ تَقْدِيمُ الْأَسْبَقِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان.
(قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَبَرْهَنُوا) الضَّمَائِرُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُمَلَّكِينَ أَيْ مَنْ ادَّعَى الْمُدَّعُونَ هُنَا الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ مِنْ مُمَلِّكِيهِمْ بِيَاءِ الْجَمْعِ قَبْلَ الضَّمِيرِ وَسَيَنْقُلُ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ (قَوْلُهُ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ إلَخْ) أَقُولُ: لَيْسَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ قَبِيلِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَارِنِ قَالَ فِي الْكَافِي وَهَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا وَسَلَّمَهَا فَاسْتَحَقَّ الزَّرْعَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الزَّرْعَ مَعَ الْأَرْضِ بِحُكْمِ اتِّصَالٍ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ الشَّائِعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي كَذَا فِي الْكَافِي قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْمُفْسِدُ هُوَ الشُّيُوعُ الْمُقَارِنُ لَا الشُّيُوعُ الطَّارِئُ كَمَا إذَا وَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ أَوْ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ الشَّائِعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ يُفْسِدُهُ وَفِي الْفُصُولَيْنِ إنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ شَائِعًا أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَيُفْسِدُ الْكُلَّ لِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَا طَارِئٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ فِي هِبَةِ الْمُحِيطِ هَكَذَا قَرَّرَهُ مُنْلَا خُسْرو فِي شَرْحِهِ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: عَدُّهُ صُورَةَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْكَافِي وَالْفُصُولَيْنِ فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيَكُونُ مُقَارِنًا لَهَا لَا طَارِئًا عَلَيْهَا اهـ.
كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute