للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ غَيْرَ أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ أَنْ يَعْتِقَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ الْمُسَمَّى وَالْعَبْدُ يَرْضَى بِالزِّيَادَةِ حَتَّى يَنَالَ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ فَيُزَادُ عَلَيْهِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ لِيَنَالَ الشَّرَفَ وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ يُعْتَقُ بِأَدَائِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ فِي الْفَاسِدِ ذَكَرَهَا أَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعِتْقِ فِيهِ وَأَثَرُ الْجَهَالَةِ فِي الْفَاسِدِ لَا فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا، وَلَوْ أَدَّى قِيمَةَ الثَّوْبِ لَا يُعْتَقُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِأَنْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَيُعْتَقُ بِأَدَاءِ الثَّوْبِ لِصَرِيحِ التَّعْلِيقِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ وَلَمْ يَقُلْ هَرَوِيٌّ أَوْ غَيْرَهُ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ ثَوْبٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ) يَعْنِي يَصِحُّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى حَيَوَانٍ إذَا بَيَّنَ جِنْسَهُ لَا نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ لَوْ قَالَ وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ بَيَّنَ نَوْعَهُ كَانَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ قَالَ وَصَحَّ عَلَى عَبْدٍ كَانَ أَوْلَى، وَلَكِنْ كَانَ أَخْصَرَ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّفْظَ وَالْوَصْفَ يَجْمَعُ أَجْنَاسًا فَالْجَهَالَةُ فَاحِشَةٌ كَالْحَيَوَانِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ إنْ كَانَ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا كَالْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْحَبَشِيَّ وَالْهِنْدِيَّ وَالتُّرْكِيَّ وَالْأَسْوَدَ فَتَصِحُّ الْكِتَابَةُ إذَا ذَكَرَهُ فَلِذَا فَسَّرْنَا الْحَيَوَانَ بِالْعَبْدِ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ صَحَّ فَظَهَرَ أَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَنَا هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ اخْتَلَفَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمْ وَالنَّوْعَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ اتَّحَدَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمْ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الْأَصْلُ أَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَانَ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَذَلِكَ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ وَفِي هَذَا لَا يُعْتَقُ إذَا دَفَعَ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ حَيَوَانًا وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي عَقْدِ غَيْرِ الْمُعَاوَضَةِ كَالنِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ وَذَلِكَ كَعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ.

فَإِنْ قُلْت إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ، وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ تَصِحُّ الْكِتَابَةُ فَمَا الْفَرْقُ قُلْنَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْقِيمَةِ جَهَالَةٌ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالْوَصْفِ فِي الْحَالِّ وَالْجَهَالَةُ فِي الْعَبْدِ جَهَالَةٌ فِي الْوَصْفِ دُونَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فَخِفْت الْجَهَالَةَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصْفٍ أَوْ عَبْدٍ مُؤَجَّلًا جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ وَبَيَّنَ صِفَتَهُ فَأَتَى بِقِيمَتِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ قَدَّرَ الْوَسَطَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى قَدْرِ غَلَاءِ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ وَلَا يُنْظَرُ فِي قِيمَةِ الْوَسَطِ إلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ، وَلَوْ قَالَ وَصَحَّ عَلَى فَرَسٍ لَكَانَ أَوْلَى وَلَمْ يَحْتَجْ لِلتَّأْوِيلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ كَاتَبَ كَافِرٌ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَلَى خَمْرٍ) يَعْنِي يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ لِلْآخَرِ إذَا سَمَّى قَدْرًا مِنْ الْخَمْرِ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُمْ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالْعَصِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ عَنْ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فَاسِدًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مُسْلِمًا أَطْلَقَ فِي الْكَلَامِ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ وَالْمُسْتَأْمَنَ وَالْحَرْبِيَّ وَلَا فَرْقَ فِي الذِّمِّيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِنَا أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ دَخَلَ غَيْرَ مُهَاجِرٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا وَالْمُسْتَأْمَنُ مَا دَامَ فِي دَارِنَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا وَإِنَّمَا مَحَلُّ النَّظَرِ لَوْ كَاتِب الْحَرْبِيُّ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَدَّى ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَقُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَنَا أَنْ نَحْتَالَ عَلَى مَالِ الْحَرْبِيِّ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ يَرْضَاهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخِنْزِيرَ هُنَا كَالْخَمْرِ فِي الْحُكْمِ فِيهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَسْلَمَ فَلَهُ قِيمَةُ الْخَمْرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهِ وَفِي تَسْلِيمِ عَيْنِ الْخَمْرِ تَمْلِيكُهَا وَتَمَلُّكُهَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى يَمْلِكُهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ وَالْقَبْضِ يَرِدُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ غَيْرَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ الْعَبْدِ وَتَمَلُّكًا مِنْ الْمَوْلَى فِي الْحَالِّ عِوَضًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْقِيمَةِ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْمُسَمَّى وَالْكِتَابَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى مَا يَصْلُحُ بَدَلًا فَفِي الْكِتَابَةِ تَصْلُحُ الْقِيمَةُ بَدَلًا فِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى وَصْفٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ وَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْقِيمَةِ صَحِيحًا أَصْلًا فَكَذَا لَا يَبْقَى عَلَيْهَا قَيَّدْنَا أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْخَمْرَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُعَيَّنًا فَقَدْ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَالتَّسْلِيمُ نُقِلَ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ وَالْمُسْلِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْخَمْرِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا غَصَبَ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْخَمْرَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>