، وَإِذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ صَحَّ وَلَا يَسْعَى فِي نُقْصَانِ التَّدْبِيرِ مَا دَامَ حَيًّا، وَإِذَا مَاتَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ يَعُدُّونَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ إسْرَافًا، فَإِنْ كَانُوا لَا يَعُدُّونَهَا إسْرَافًا بَلْ مَعْهُودًا حَالًا يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ إذَا كَانَ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَفِسْقٍ) يَعْنِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ فِسْقٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا بِسَفَهٍ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ كَالسَّفَهِ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً لَهُ وَعِنْدَهُمَا الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ صِيَانَةٌ لِمَالِهِ، وَالْفَاسِقِ مُصْلِحٌ لِمَالِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] ؛ لِأَنَّ رُشْدًا نَكِرَةٌ فَتَعُمُّ فَتَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ إذْ الرُّشْدُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْإِصْلَاحُ فِي الْمَالِ لَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَالْفِسْقُ الْأَصْلِيُّ، وَالطَّارِئُ سَوَاءٌ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَفْلَةٍ) يَعْنِي لَا يُحْجَرُ عَلَى الْغَافِلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنْ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّابِحَةِ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالسَّفِيهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ وَنَظَرًا لَهُ؛ لِأَنَّ «أَهْلَ مُنْقِذٍ طَلَبُوا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجْرَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوعٌ قُلْنَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُجِبْهُمْ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ «قُلْ لَا خِلَابَةَ» الْحَدِيثَ وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَأَجَابَهُمْ إلَيْهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَيْنٍ، وَإِنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ) يَعْنِي لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَلَوْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْفَتْوَى كَذَا فِي قَاضِي خان مِنْ بَابِ الْحِيطَانِ وَفِي الْكَافِي، وَالْكَلَامُ فِي الْحَجْرِ بِالدَّيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْكَبَهُ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَالِهِ أَوْ يَزِيدَ عَلَى أَمْوَالِهِ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ فَيَحْجُرَ عَلَيْهِ وَيُمْنَعَ مِنْ الْبَيْعِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَا يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ وَفِي النَّوَادِرِ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيُمْكِنُ الْقَاضِي الْقَضَاءَ بِالْإِفْلَاسِ وَفِي الْعِنَايَةِ، وَإِذَا قَضَى بِالْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ يَخْتَصُّ بِالْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي الْحَالِ دُونَ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْكَسْبِ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْحَادِثِ نَفَذَ، وَإِذَا صَحَّ الْحَجْرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ صَارَ حَالُ هَذَا الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَحَالِ مَرِيضٍ عَلَيْهِ دُيُونُ الصِّحَّةِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَالْحَجْرُ يُؤَثِّرُ فِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ.
وَفِي النَّوَادِرِ، وَإِذَا حُبِسَ الرَّجُلُ فِي الدَّيْنِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ حَتَّى يَقْضِيَ دُيُونَهُ الَّتِي حُبِسَ فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُبِسَ لِيَبِيعَ مَالَهُ فِي دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَالْمُمَاطَلَةُ ظُلْمٌ فَيَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِظُلْمِهِ وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَبْسِ الْحَمْلُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَبَاعَ مَالَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَمَنَعَهُ مِنْ تَصَرُّفٍ يَضُرُّ بِالْغُرَمَاءِ كَالْإِقْرَارِ وَبَيْعِهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «مُعَاذًا رَكِبَهُ دَيْنٌ فَبَاعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالَهُ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِالْحِصَصِ» وَلِأَنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَلْحَقَهُمْ الضَّرَرُ بِالْإِقْرَارِ، وَالتَّلْجِئَةِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ إنْسَانٍ عَظِيمِ الْقَدْرِ لَا يُمْكِنُ الِانْتِزَاعُ مِنْهُ أَوْ بِالْإِقْرَارِ لَهُ ثُمَّ يَنْتَفِعَ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا كَانَ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يُؤَجِّرُهُ لِيَقْضِيَ مِنْ أُجْرَتِهِ دَيْنَهُ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً لَا يُزَوِّجُهَا لِيَقْضِيَ دَيْنَهَا مِنْ مَهْرِهَا وَتُحْبَسُ لِيُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمَ قُضِيَ بِلَا أَمْرِهِ) وَكَذَا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِيَدِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَكَانَ الْقَاضِي مُعِينًا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَلَهُ دَنَانِيرُ أَوْ بِالْعَكْسِ بِيعَ مِنْ دَيْنِهِ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَاسْتِحْسَانٌ بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا يَتَّحِدَانِ جِنْسًا فِي الثَّمَنِيَّةِ، وَالْمَالِيَّةِ وَلِذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ يَخْتَلِفَانِ فِي الصُّوَرِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ لِاخْتِلَافِهِمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِاخْتِلَافِ يَسْكُتُ عَنْ الدَّائِنِ فَلَهُ الْأَخْذُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَبِعْ عَرْضَهُ وَعَقَارَهُ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ صَادِقٌ بِحَالِ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute