أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَالْعِتْقُ كَذَلِكَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُحِطْ صَحَّ) يَعْنِي، وَإِنْ لَمْ يُحِطْ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ جَازَ عِتْقُهُ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَكَذَا عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِكَسْبِهِ وَفِي حَقِّ التَّعَلُّقِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْفَرَاغُ وَبَعْضُهُ فَارِغٌ وَبَعْضُهُ مَشْغُولٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَذَا نَقَلَهُ الشَّارِح وَفِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِمَالِهِ جَازَ عِتْقُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ رَقَبَتَهُ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ جَازَ عِتْقُ الْمَوْلَى عَبْدًا مِنْ كَسْبِهِ قَالَ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ فِي رَجُلٍ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا وَعَلَى الْأَوَّلِ أَلْفٌ دَيْنٌ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى فَعِتْقُهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِثْلَ قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ إنْفَاذَ الْعِتْقِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِيمَا لَوْ أَحَاطَ بِكَسْبِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ مَلَكَ الْمَوْلَى بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عِنْدَ الْفَرَاغِ وَهَذَا لَيْسَ بِفَارِغٍ فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الرَّقَبَةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ النَّفَاذُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ مِنْ السَّيِّدِ إلَّا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَيَجُوزُ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ فِيهِ تُهْمَةٌ فَلَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمُ النَّفَاذِ لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ وَقُيِّدَ بِالسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَابَا لِأَجْنَبِيٍّ عِنْدَ الْإِمَامِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ عَيْنًا مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ مِنْ إيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مَمْنُوعٌ عَنْ إبْطَالِ الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ جَمِيعَ مَالِهِ بِمِثْلٍ مِنْ الْقِيمَةِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ إلَى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إنْ بَاعَ مِنْ الْمَوْلَى جَازَ فَاحِشًا كَانَ الْغَبْنُ أَوْ يَسِيرًا وَلَكِنْ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ فِي الْمُحَابَاةِ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ حَيْثُ يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْمُحَابَاةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا عِنْدَهُمَا وَمِنْ الْمَوْلَى يَجُوزُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمُحَابَاةِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ عَلَى أَصْلِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَا إذْنَ.
وَفِي الْكَافِي، وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِنُقْصَانٍ لَمْ يَجُزْ فَاحِشًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا وَلَكِنْ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ أَنْ يُزِيلَ الْغَبْنَ أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَقِيلَ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ كَقَوْلِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ قَوْلُ الْكُلِّ وَقِيلَ قَوْلُهُمَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمَوْلَى الْمَبِيعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَزِمَهُ تَمَامُ الْقِيمَةِ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بِرَقْمٍ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْفَصْلِ إذَا بَاعَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِبَعْضِ الْمَالِ مِنْ تِجَارَةٍ وَحَابَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْبَيْعُ جَائِزٌ سَوَاءٌ حَابَا فِي الْبَيْعِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَوْ لَا مَا لَمْ تَتَجَاوَزْ الْمُحَابَاةُ ثُلُثَ مَالِ الْمَوْلَى، فَإِذَا جَاوَزَ ثُلُثَ مَالِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَلَمْ يُرِدْ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا وَحَابَا الْعَبْدُ بِمَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ أَوْ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَيْفَمَا كَانَ جَاوَزَتْ الْمُحَابَاةُ ثُلُثَ الْمَالِ أَمْ لَمْ تُجَاوِزْ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى وَحَابَا فِي مَرَضِ مَوْتِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ ثُلُثَ مَالِهِ فَكَذَا الْعَبْدُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنْ بَاعَ وَاشْتَرَى بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُسَلَّمُ الْمُشْتَرَى وَلَوْ بَاعَ وَاشْتَرَى وَحَابَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا حَتَّى إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي أَنَا أُودِي قَدْرَ الْمُحَابَاةِ وَلَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَةٍ أَوْ بِمَا فِي يَدِهِ أَوْ لَا يُحِيطُ فَبَاعَ وَاشْتَرَى وَحَابَا مُحَابَاةً يَسِيرَةً أَوْ فَاحِشَةً فَالْجَوَابُ فِيهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لَا يُوجَدُ عَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَةٌ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الْمُحَابَاةَ الْيَسِيرَةَ فِي الْمَرِيضِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ تُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ خَاصَّةً فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَصَائِصِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِجَمِيعِ مَالِ الْمَوْلَى أَوْ لَا يَكُونُ مُحِيطًا بِجَمِيعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute