للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِذْنِك أَوْ أَكَلْت مَالَك بِإِذْنِك وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْمَالِ الْإِذْنَ وَلَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّ الدَّابَّةَ الْمَغْصُوبَةَ وَأَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ الدَّابَّةَ تَعَيَّبَتْ مِنْ رُكُوبِهِ أَوْ أَتْلَفَهَا الْغَاصِبُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ لِجَوَازِ رَدِّهَا إلَيْهِ ثُمَّ رَكِبَهَا بَعْدَ الرَّدِّ وَتَعَيَّبَتْ مِنْ رُكُوبِهِ وَيَكُونُ هَذَا غَصْبًا مُسْتَأْنَفًا فَيُعْمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَدَّهَا وَنَفَقَتْ عِنْدَهُ وَأَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أُنْفِقَتْ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا نَفَقَتْ مِنْ رُكُوبِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا مَتَى جَعَلْنَا أَنَّ الْغَاصِبَ رَدَّهَا ثُمَّ نَفَقَتْ بَعْدَ الرَّدِّ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ غَصْبًا مُسْتَأْنَفًا وَلَوْ أَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَأَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمَالِكِ قَامَتْ عَلَى الْمَوْتِ لَا عَلَى الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِ الْغَاصِبِ وَالضَّمَانُ يَجِبُ بِالْغَصْبِ لَا بِالْمَوْتِ فَلَا يُفِيدُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَوْتِ وَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ مُثْبِتَةٌ لِلرَّدِّ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلْمَوْتِ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الرَّدُّ وَكَانَتْ أَوْلَى وَلَوْ أَشْهَدَ الْغَاصِبُ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي يَدِ مَوْلَاهُ قَبْلَ الْغَصْبِ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ فِي يَدِ مَوْلَاهُ قَبْلَ الْغَصْبِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الرَّدَّ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ نَفْيَ الْغَصْبِ وَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى تُثْبِتُ الْغَصْبَ وَالضَّمَانَ فَكَانَتْ أَوْلَى وَفِي النَّوَادِرِ وَلَوْ أَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ فَالضَّمَانُ وَاجِبٌ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ كَوْنُهُ بِمَكَّةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فَسَقَطَتْ بَيِّنَتُهُ وَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ تُثْبِتُ الْغَصْبَ وَالضَّمَانَ رَجُلٌ فِي يَدِهِ جُبَّةٌ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ فَأَقَرَّ لَهُ بِالظِّهَارَةِ وَبِالْبِطَانَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِ أَحَدِهِمَا وَأَنْكَرَ غَصْبَ أَحَدِهِمَا وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الظِّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ فِي الظِّهَارَةِ صِفَةً مُتَقَوِّمَةً وَهُوَ التَّضْرِيبُ عَلَى الْبِطَانَةِ وَقَدْ اسْتَهْلَكَهَا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَةَ صَارَتْ تَابِعَةً لِمِلْكِ الْغَاصِبِ وَهُوَ الْحَشْوُ وَالْبِطَانَةُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَكْثَرَ مِنْ الظِّهَارَةِ فَيَصِيرُ الْأَقَلُّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْغَاصِبِ كَمَا فِي السَّاحَةِ يُدْخِلُهَا فِي بِنَائِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَاعَ الْمَغْصُوبَ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَإِنْ حَرَّرَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ لَا) أَيْ لَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ ضَمَّنَهُ الْمَالِكُ قِيمَتَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا أَوْ ضَرُورَةً وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يَظْهَرُ الْمِلْكُ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَكْسَابِ؛ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَبَعْدَهُ أَصْلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْكَسْبُ تَبَعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَالْمِلْكُ النَّاقِصُ يَكْفِي لِنُفُوذِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بَلْ مِنْ الْمَأْذُونِ دُونَ عِتْقِهِمَا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا عِتْقَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمَالِكِ الْبَيْعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا بِضَمَانِ الْغَاصِبِ الْقِيمَةَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَرَتَّبَ عَلَى سَبَبِ مِلْكٍ قَامَ بِنَفْسِهِ مَوْضُوعٍ لَهُ فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ بِنُفُوذِ السَّبَبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَقَامَ أَنَّ الْإِشْهَادَ يُشْتَرَطُ فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَامَ لَاشْتُرِطَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَارَفَ الْغَاصِبَانِ وَتَقَابَضَا وَافْتَرَقَا وَأَجَازَ الْمَالِكَانِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ جَازَ الصَّرْفُ وَكَذَا الْبَيْعُ يُمْلَكُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَامًّا بِنَفْسِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الثَّمَنِ وَقْتَ الْإِجَازَةِ أَوْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِقِيَامِ الْمَبِيعِ بِأَنْ كَانَ قَدْ أَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَيَّدَ بِإِعْتَاقِ الْغَاصِبِ ثُمَّ يَضْمَنُهُ احْتِرَازًا عَنْ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهُ فِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ أَمَانَةٌ فَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي) أَيْ بِالْمَنْعِ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً أَوْ كَانَتْ بِالْعُسْرِ وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ وَإِثْبَاتُ يَدِ الْغَاصِبِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَلَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ بِالْمَنْعِ عِنْدَ طَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا بِهِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ وَلَدَ الظَّبْيَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ لِوُجُودِ الْمَنْعِ مِنْ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَجَبَ عَلَيْهِ إلَى الْحَرَمِ لِحَقِّ الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ رَدَّهَا وَهَلَكَتْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّدِّ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ الْمَنْعِ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَهُوَ ضَمَانُ إتْلَافٍ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ كَانَ فِي الْحَرَمِ أَمِينًا يَبْعُدُهُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَقَدْ فَوَّتَ الْأَمْنَ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَتَحَقَّقَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>