للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ لُغَةً الْإِعْلَامُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٣] وَشَرْعًا إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَسَبَبُهُ الِابْتِدَائِيُّ أَذَانُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَإِقَامَتُهُ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامًا بِالْمَلَائِكَةِ وَأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ رُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَلَكَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ فِي الْمَنَامِ وَهُوَ مَشْهُورٌ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَلَكِ فَقِيلَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ غَيْرُهُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْبَقَائِيُّ دُخُولُ الْوَقْتِ وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩] وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَصِفَتُهُ سَتَأْتِي وَرُكْنُهُ الْأَلْفَاظُ الْمَخْصُوصَةُ وَكَيْفِيَّتُهُ مَعْلُومَةٌ، وَأَمَّا سُنَنُهُ فَنَوْعَانِ سُنَنٌ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ وَسُنَنٌ فِي صِفَاتِ الْمُؤَذِّنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَسَيَأْتِي، وَأَمَّا الثَّانِي فَأَنْ يَكُونَ رَجُلًا عَاقِلًا ثِقَةً عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَأَوْقَاتُ الصَّلَاةِ فَأَذَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ وَلَا مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُعَادُ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ «وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ» وَصَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ أَذَانِ الْفَاسِقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ عَالِمًا أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي كَوْنِهِ خِيَارًا أَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُؤَذِّنِ وَلَا لِلْإِمَامِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يُشَارِطْهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَكِنْ عَرَفُوا حَاجَتَهُ فَجَمَعُوا لَهُ فِي وَقْتٍ شَيْئًا كَانَ حَسَنًا وَيَطِيبُ لَهُ وَعَلَى هَذَا الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يُهْدُوا إلَيْهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ

أَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا فَيَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْمُعَلِّمِ وَالْمُفْتِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْمُؤَذِّنُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَحِقُّ ثَوَابَ الْمُؤَذِّنِينَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَفِي أَخْذِ الْأَجْرِ أَوْلَى. اهـ.

وَقَدْ يُمْنَعُ لِمَا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لِلْجَهَالَةِ الْمُوَقَّعَةِ فِي الْغَرَرِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِي وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ الْمُقَدَّرَ فِي الْوَقْفِ لِلْمُؤَذِّنِ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهُ فِيمَنْ يُوَلِّي وَيُرَتِّبُ لِلْأَذَانِ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ أَمْ الْإِمَامَةُ قِيلَ بِالْأَوَّلِ لِلْآيَةِ {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: ٣٣] فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ بِالْمُؤَذِّنِينَ وَلِلْحَدِيثِ «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ قِيلَ أَطْوَلُ النَّاسِ رَجَاءً يُقَالُ طَالَ عُنُقِي إلَى وَعْدِك أَيْ رَجَائِي وَقِيلَ أَكْثَرُ النَّاسِ اتِّبَاعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُمْ كُلُّ مَنْ يُصَلِّي بِأَذَانِهِمْ يُقَالُ جَاءَنِي عُنُقٌ مِنْ النَّاسِ أَيْ جَمَاعَةٌ وَقِيلَ أَعْنَاقُهُمْ تَطُولُ حَتَّى لَا يُلْجِمَهُمْ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ إعْنَاقًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ إسْرَاعًا فِي السَّيْرِ وَقِيلَ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا أَئِمَّةً وَلَمْ يَكُونُوا مُؤَذِّنِينَ وَهُمْ لَا يَخْتَارُونَ مِنْ الْأُمُورِ إلَّا أَفْضَلَهَا وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ

وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ إنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ اخْتَارَ الْإِمَامَةَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَخَافُ إنْ تَرَكْت الْفَاتِحَةَ أَنْ يُعَاتِبَنِي الشَّافِعِيُّ وَإِنْ قَرَأْتُهَا مَعَ الْإِمَامِ أَنْ يُعَاتِبَنِي أَبُو حَنِيفَةَ فَاخْتَرْت الْإِمَامَةَ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ. اهـ.

وَقَدْ كُنْت أَخْتَارُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُ عُمَرَ لَوْلَا الْخِلِّيفَى لَأَذَّنْت لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ مُرَادُهُ لَأَذَّنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا عُلِمَ مِنْ إخْبَارِهِ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مَهِيبًا وَيَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ النَّاسِ وَيَزْجُرُ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَاتِ وَلَا يُؤَذِّنُ لِقَوْمٍ آخَرِينَ إذَا صَلَّى فِي مَكَانِهِ وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي مَوْضِعٍ عَالٍ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَفِي أَذَانِ الْمَغْرِبِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْمَكَانُ الْعَالِي فِي أَذَانِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ أَسْمَعَ لِلْجِيرَانِ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَلَا يُجْهِدَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَوِلَايَةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَنْ بَنَى الْمَسْجِدَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>