إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ كَالْعَفْصِ وَالْقَرَظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْلِيلَ مُطَهِّرٌ لَهَا بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِفِعْلِهِ وَبِالدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَلِهَذَا يَأْخُذُ الْخَلَّ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَأْخُذُ الْجِلْدَ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْجِلْدِ غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ مَا فَضَلَ بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَحَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ وَالرَّهْنِ بِالدَّيْنِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ بِالْجُعْلِ وَأَطْلَقَ فِي التَّخْلِيلِ فَشَمِلَ مَا إذَا خَلَّلَهَا بِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا لَكِنْ قَالَ الْقُدُورِيُّ أَمَّا لَوْ أَلْقَى فِيهَا مِلْحًا أَوْ خَلَّلَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَصِيرُ الْخَلُّ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنْ أَلْقَى فِيهِ الْمِلْحَ فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ وَدَفْعُ مَا زَادَ فِيهِ قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِثْلَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ هَكَذَا ذَكَرُوا وَكَأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمِلْحَ مَائِعًا، وَإِنْ أَلْقَى فِيهِ الْخَلَّ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ الْخَلَّ، وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ عِنْدَهُ خَلًّا فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ إنْ كَانَ فِي حِينِهِ وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ حِينِهِ وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْعَصِيرِ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وَعَنْ الثَّانِي لَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَصَارَ عِنْدَهُ خَمْرًا أَوْ لَبَنًا حَلِيبًا فَصَارَ عِنْدَهُ مَخِيطًا أَوْ عِنَبًا فَصَارَ زَبِيبًا فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهُ وَسَلَّمَ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ فِي الدِّبَاغِ فَشَمِلَ مَا إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا لَكِنْ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ، فَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا وَفِي الْكَافِي، فَإِنْ دَبَغَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ لَهُ أَخْذُهُ وَإِعْطَاءُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ وَأَطْلَقَ فِي الْجِلْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ مَنْزِلِ صَاحِبِهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الطَّرِيقِ بَعْدَمَا أَلْقَاهُ صَاحِبُهُ فِيهِ لَكِنْ قَالَ الْقُدُورِيُّ هَذَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ أَمَّا إذَا أَلْقَى صَاحِبُهُ الْمَيْتَةَ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَذَهَا رَجُلٌ وَدَبَغَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الثَّانِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ، وَإِنْ أَلْقَاهُ صَاحِبُهُ فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْبُوغُ جِلْدًا مُذَكًّى كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَجِلْدِ الْمُذَكَّى شَيْءٌ ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فَالْجَوَابُ فِي الْمَيْتَةِ وَالْمُذَكَّاةِ وَاحِدٌ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَتْلَفَهُمَا ضَمِنَ الْخَلَّ فَقَطْ) يَعْنِي لَوْ أَتْلَفَ الْغَاصِبُ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُمَا إلَى صَاحِبِهِمَا ضَمِنَ الْخَلَّ وَلَا يَضْمَنُ الْجِلْدَ الْمَدْبُوغَ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْجِلْدِ مَدْبُوغًا أَيْضًا وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ وَلِهَذَا يَأْخُذُهُ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَيَضْمَنُهُ لَهُ مَدْبُوغًا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ مَالِيَّتَهُ وَتَقْوِيمَهُ حَاصِلٌ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ وَفِعْلُهُ مُتَقَوِّمٌ لِاسْتِعْمَالِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِيهِ وَلِذَا كَانَ لَهُ حَبْسُهُ وَالْجِلْدُ تَبَعٌ لِلْمِلْكِ وَمِلْكُهُ بَاقٍ فِيهِ ثُمَّ قِيلَ يَضْمَنُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُهُمَا يُعْطِي مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قُوِّمَ الْجِلْدُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدِّبَاغُ بِالدَّنَانِيرِ أَمَّا إذَا قَوَّمَهُمَا بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِالدَّنَانِيرِ فَيُطْرَحُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي وَهُوَ قِيمَةُ جِلْدِ مُذَكًّى غَيْرِ مَدْبُوغٍ وَفِي الْكَافِي، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا وَلَوْ جَعَلَ الْجِلْدَ فَرْوًا أَوْ جِرَابًا أَوْ زِقًّا لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَإِنْ خَلَّلَهَا بِصَبِّ الْخَلِّ فِيهَا قِيلَ يَكُونُ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ خَلْطَ الْخَلِّ اسْتِهْلَاكٌ وَاسْتِهْلَاكُ الْخَمْرِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَعِنْدَهُمَا إنْ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهَا فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ، وَإِنْ صَارَتْ بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَانَ الْخَلُّ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمَا كَيْلًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِذَا غَصَبَ تُرَابًا أَوْ لَبِنَةً أَوْ جَعَلَهُ آنِيَةً، فَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ مِثْلُ الْحِنْطَةِ إذَا طَحَنَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ وَفِي الْقُدُورِيِّ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ يَكُونُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ فِي الثَّمَنِ وَلَا يَكُونُ أَخَصَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الذَّخِيرَةِ اتَّخَذَ كُوزًا مِنْ طِينِ غَيْرِهِ كَانَ الْكُوزُ لَهُ، فَإِنْ قَالَ رَبُّ الطِّينِ أَنَا أَمَرْته بِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ رَجُلٌ هَشَمَ طَشْتًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ وَزْنًا فَرَبُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الطَّشْتَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَكَذَا كُلُّ مَصْنُوعٍ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَتْلَفَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ هَلَكَا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ الْإِجْمَاعُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي التَّقْوِيمِ فَائِدَةٌ عِنْدِي، فَإِنَّ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ بَعْدَ أَنْ يُطْرَحَ عَنْهُ قَدْرُ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ قِيمَةُ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ بِعَيْنِهَا وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَنْظُرْ إلَى قِيمَتِهِ ذَكِيًّا غَيْرَ مَذْبُوحٍ بِعَيْنِهَا وَإِلَى قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَمَا فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ يَضْمَنُهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute