فَلَمْ يَطْلُبْ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَكَيْفِيَّةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَنْهَضَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي سَمِعَ فِيهِ وَيُشْهِدَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَقَرَّتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَائِعَ خَصْمٌ فِيهِ بِالْمِلْكِ وَبِالْيَدِ، أَمَّا عِنْدَ الْعَقَارِ فَلِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ خَصْمًا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ فَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالنَّاطِفِيُّ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا وَمُدَّةُ هَذَا الطَّلَبِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَبْعَدَ بَعْدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ، فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا فِي مِصْرِهِ جَازَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ جُعِلَتْ كَنَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ حُكْمًا كَأَنَّهُمْ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِيهِ وَالْبَعْضُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي الرُّسْتَاقِ وَقَصَدَ الْأَبْعَدَ وَتَرَكَ الَّذِي فِي مِصْرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِتَبَايُنِ الْمَكَانَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا يَطْلُبُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ حِينَ يَعْلَمُ ثُمَّ يُعْذَرُ فِي طَلَبِ التَّقْدِيرِ بِقَدْرِ الْمَسَافَةِ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَصُورَةُ هَذَا الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَقَدْ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدُهُ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَا يَصِحُّ.
فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَطْلُوبَ لَمْ تَكُنْ الْمُطَالَبَةُ لَهَا اخْتِصَاصٌ بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمَطْلُوبُ، أَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ بِدُونِ طَلَبِهِ وَنُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ هَذَا الطَّلَبِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ فَلَوْ تَرَكَ الطَّلَبَ قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ عَجَزَ عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ بِأَنْ كَانَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي الْبُغَاةِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالطَّلَبِ أَوْ يَكْتُبَ كِتَابًا بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُ التَّوْكِيلُ وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إنْ كَانَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَطَلَبَ إلَى السُّلْطَانِ الَّذِي يُولِي الْقَضَاءَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ الباشاه وَالسُّلْطَانِ وَامْتَنَعَ الْقَاضِي مِنْ إحْضَارِهِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَفِي النَّوَادِرِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ فَلَمْ يَذْهَبْ لِلطَّلَبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَفِي الْأَصْلِ الشَّفِيعُ إذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ نِصْفَ اللَّيْلِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْإِشْهَادِ، فَإِنْ أَشْهَدَ حِينَ أَصْبَحَ صَحَّ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ حِينَ أَصْبَحَ بَطَلَتْ، الْيَهُودِيُّ إذَا عَلِمَ يَوْمَ السَّبْتِ وَتَرَكَ الطَّلَبَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ الشَّفِيعُ بِالْجِوَارِ إذَا خَافَ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ وَالْقَاضِي لَا يَرَاهَا فَتَرَكَ الطَّلَبَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الشَّفِيعَ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ أَيَّامًا ثُمَّ اخْتَلَفَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الطَّلَبِ فَقَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْت مُنْذُ عَلِمْت وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا طَلَبْت الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي عَلِمْت قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ تَطْلُبْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْت الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ عَلِمْت أَمْسِ وَطَلَبْت أَوْ كَانَ الْبَيْعُ أَمْسِ وَطَلَبْتهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الشَّيْبَانِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إذَا قَالَ الشَّفِيعُ عَلِمْت بِالشِّرَاءِ وَطَلَبْت طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَا يُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ مِنْهُ لَكِنْ إذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلِمْت مُنْذُ كَذَا وَطَلَبْت لَا يُصَدَّقُ عَلَى الطَّلَبِ وَلَوْ قَالَ مَا عَلِمْت إلَّا السَّاعَةَ يَكُونُ كَاذِبًا فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِإِنْسَانٍ أَخْبِرْنِي بِالشِّرَاءِ ثُمَّ يَقُولُ الْآنَ أُخْبِرْت فَيَكُونُ صَادِقًا.
وَإِنْ أُخْبِرَ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا فِي الصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ تَقُولُ حِضْت الْآنَ وَلَا تَقُولُ حِضْت نِصْفَ اللَّيْلِ وَاخْتَرْت نَفْسِي، فَإِنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي اخْتِيَارِهَا نَفْسِهَا لَكِنْ تَقُولُ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ وَتَكُونُ صَادِقَةً فِي قَوْلِهَا الْآنَ حِضْت وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ فِي نَوَادِرِهِ إنْ كَانَ الشَّفِيعُ قَدْ طَلَبَ الشُّفْعَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَخْشَى أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ فَقَالَ أُخْبِرْت وَأَنَا أَطْلُبُ الشُّفْعَةَ يَسَعُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَيَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَيَسْتَثْنِيَ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ الشَّفِيعُ كُنْت طَلَبْت الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ وَطَلَبَ الشَّفِيعُ يَمِينَ الْمُشْتَرِي ذَكَرَ فِي الْهَارُونِيِّ وَأَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مَا طَلَبَ شُفْعَتَهُ وَأَنَّهُ مَا طَلَبَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا طَلَبْت شُفْعَتَهُ حِينَ بَلَغَك الشِّرَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute