لَا يَجُوزُ لَهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ عَلَيْهِمْ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَمُبَاشَرَةُ الْقَضَاءِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَيُقَدِّرُ لَهُ الْقَاضِي أُجْرَةَ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنَّ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ وَقَوْلُهُ: بِعَدَدِ الرُّءُوسِ يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَلَا يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانُهُ عَنْ قَرِيبٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: ذَكَرَ الْأَمَانَةَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ظَاهِرِ الْأَمَانَةِ وَرُدَّ بِهَذَا مَا بِهِ يَلْزَمُ مِنْ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ ظُهُورُ الْأَمَانَةِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ الْعَدَالَةُ لَا ظُهُورُهَا فَاسْتِلْزَامُ ظُهُورِهَا ظُهُورَ الْأَمَانَةِ لَا يَقْتَضِي اسْتِدْرَاكَ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ فَإِنْ قُلْت: لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَدَالَةِ ظُهُورُهَا كَمَا أُرِيدَ الْأَمَانَةُ حَتَّى يُسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ بِالْكُلِّيَّةِ قُلْت: ظُهُورُ الْعَدَالَةِ مِنْ لَفْظِ الْعَدَالَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَا يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِهَا وَحْدَهُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ، وَإِرَادَةُ ظُهُورِ الْأَمَانَةِ مِنْ لَفْظِ الْأَمَانَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْكِتَابِ ابْتِدَاءً ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ لَا غِنَى عَنْ ذِكْرِ الْأَمَانَةِ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَتَعَيَّنُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَهِيَ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا جَبْرَ فِيهِمَا وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَشْتَرِكُ الْقُسَّامُ) يَعْنِي يَمْنَعُهُمْ الْقَاضِي مِنْ الِاشْتِرَاكِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ النَّاسُ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَصِيرُ بِذَلِكَ غَالِيَةً لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ يَتَبَادَرُونَ إلَيْهَا خَشْيَةَ الْفَوَاتِ فَيَرْخُصُ الْأَجْرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَالْأُجْرَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَقَالَا: عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَافِرِ الْبِئْرِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْمُشْتَرَكِ وَكَبِنَاءِ الدَّارِ وَالْجِدَارِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ، وَمَنْفَعَةُ صَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْأُجْرَةَ بِمُقَابَلَةِ التَّمْيِيزِ، وَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ بِاعْتِبَارِ الْمَكْسُورِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ إلَّا بِمَا يَفْعَلُهُ فِيهِمَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِفْرَازِ وَاقِعٌ لَهُمْ جُمْلَةً بِخِلَافِ مَا ذَكَرَاهُ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مُقَابَلَةٌ بِالْعَمَلِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ فَتَتَفَاوَتُ الْأُجْرَةُ بِتَفَاوُتِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الطَّالِبِ لِلْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْقِسْمَةِ دُونَ الْآخَرِ اهـ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُقْسَمُ الْعَقَارُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى يُبَرْهِنُوا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ) وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا: يُقْسَمُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَالْإِقْرَارَ دَلِيلُ الصِّدْقِ فَصَارَ كَالْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مُنْكِرَ لَهُمْ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا تُفِيدُ الْبَيِّنَةُ بِلَا إنْكَارٍ لَكِنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ حَتَّى لَا تَعْتِقَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ مَوْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالْبَيِّنَةِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّهَا قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَنْفُذُ فِيهَا وَصَايَاهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا كَانَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ يُمْكِنُ بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ، وَغَيْرُهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأُورِدَ بِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا وَالْآخَرِ أَنْ يَكُونَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ وَلَا قَضَاءَ مَعَ الْجَهَالَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ التَّعَيُّنِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ بِتَعَيُّنِهِ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ نَائِبٌ عَنْهُ، وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا فَأَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الدَّيْنَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ وَيُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَلَوْ قَالَ مَكَانَ الْوَارِثِ: وَصِيٌّ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ نَظَرًا لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَبِخِلَافِ الْعَقَارِ الْمُشْتَرَى لِأَنَّ الْبَيْعَ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَنْ الْغَيْرِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَدَعْوَى الْمِلْكِ) يَعْنِي يُقْسَمُ فِي الْمَوْرُوثِ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَفِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفِيَّةَ انْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ قُسِمَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى فَلِمَا بَيَّنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute