للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ، وَإِنْ كَانَ قِسْمَةُ أَحَدِهِمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ يُحْسَبُ الَّذِي قِيمَتُهُ أَعْلَى عَلَى النِّصْفِ ذِرَاعًا بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَوِيَا فِي الْقِيمَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُقْسَمُ الْعُلُوُّ مِنْ السُّفْلِ قِسْمَةً وَاحِدَةً عِنْدَ الْإِمَامِ وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْبُيُوتَ الْمُتَفَرِّقَةَ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إنْ لَمْ تَكُنْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ قُلْنَا مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَالْبُنْيَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ.

وَإِنَّمَا يُقْسَمُ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ فِي دَارَيْنِ - بِطَرِيقِ التَّرَاضِي فَلِهَذَا قَيَّدَ فِي النِّهَايَةِ بِمَا سَبَقَ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قُوِّمَ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ أَنَّ الْبِنَاءَ لَا يُقْسَمُ بِالذِّرَاعِ قَالَ، وَإِنْ قَسَمَا دَارًا فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الْعَرْصَةَ بِالذِّرَاعِ وَيَقْسِمُ الْبِنَاءَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَتَارَةً يَقْسِمَا الْأَرْضَ نِصْفَيْنِ وَيَشْتَرِطَا أَنَّ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ يَعْطِي لِصَاحِبِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ مَعْلُومَةٌ، أَوْ اقْتَسَمُوا ذَلِكَ وَقِيمَةُ الْبِنَاءِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِأَنْ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ وَلَمْ يَقْتَسِمُوا الْبِنَاءَ فَإِنْ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ وَشَرَطَا فِي الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ بَيْعًا مَشْرُوطًا فِي الْقِسْمَةِ وَهَذَا الْبَيْعُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْقِسْمَةِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ قِسْمَةُ الْبِنَاءِ وَاقْتَسَمُوا كَذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيَفْسُدُ قِيَاسًا لِجَهَالَةِ ثَمَنِ الْبِنَاءِ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَاقَتْ الْعَرْصَةَ وَلَا جَهَالَةَ فِيهَا وَمَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ يَتَمَلَّكُ عَلَى صَاحِبِ نِصْفِ الْبِنَاءِ الْقِيمَةَ فِيهَا ضَرُورَةً، وَإِنْ اقْتَسَمَا الْأَرْضَ وَلَمْ يَقْتَسِمَا الْبِنَاءَ جَازَتْ الْقِسْمَةُ، ثُمَّ يَتَمَلَّكُ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ نِصْفَ الْبِنَاءِ فَالْقِيمَةُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِبْقَاءِ الْبِنَاءِ مُشْتَرَكًا لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا وَجْهَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ إلَّا بِتَمَلُّكِ الْأَرْضِ وَتُمْلَكُ بِالْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ تَمَلُّكِ الْأَرْضِ بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهَا كَالْغَاصِبِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ يَتَمَلَّكُ صَاحِبُ الثَّوْبِ الصِّبْغَ دُونَ صَاحِبِ الصِّبْغِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا اقْتَسَمَا الْأَرْضَ فَلَوْ وَقَعَ الْقَسْمُ فِي الْأَرْضِ لِوَاحِدٍ وَالْبِنَاءُ لِآخَرَ، قَالَ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْبِنَاءَ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ فَهَذَا عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ: إذَا شَرَطَا فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ الْبِنَاءُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ الْبِنَاءِ بِمَا تَرَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنْ سَكَتَا عَنْ الْقَلْعِ، أَوْ شَرَطَا ذَلِكَ جَازَتْ الْقِسْمَةُ وَإِنْ شَرَطَا التَّرْكَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِي الذَّخِيرَةِ يَجِبُ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقَعُ لِوَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِنَفْسِ الْقِسْمَةِ بَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ مَعَانٍ: إمَّا الْقَبْضُ أَوْ قَضَاءُ الْقَاضِي، أَوْ الْفُرْقَةُ. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ: أَرْضٌ وَدَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَحَدُهُمَا أَخَذَ الدَّارَ وَالْآخَرُ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَيْهِ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَقِيمَةُ الدَّارِ أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْأَرْضِ أَلْفَانِ فَبَاعَ صَاحِبُ الدَّارِ دَارِهِ فَاسْتُحِقَّ عُلُوُّ بَيْتٍ وَالْبَيْتُ وَالْعُلُوُّ عُشْرُ الدَّارِ: يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ عُشْرِ الدَّارِ وَمَسَكَ الْبَاقِيَ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَرْجِعُ بِسِتَّةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَرْجِعُ بِذَلِكَ فِي رَقَبَتِهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:. (وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ الْقَاسِمَيْنِ إنْ اخْتَلَفُوا) يَعْنِي إذَا أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي أَوَّلًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا لِمُحَمَّدٍ إنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى فِعْلِ فُلَانٍ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضُ هُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنْ اقْتَسَمَا الْأُجْرَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ فَكَانَتْ شَهَادَةً صُورَةً وَدَعْوَى مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ قُلْنَا هُنَا لَمْ يَجُرَّا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا لِأَنَّ الْأَخْصَامَ يُوَافِقَاهُمَا عَلَى إيفَاءِ الْعَمَلِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَهَتْ التُّهْمَةُ وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إلْزَامِ الْآخَرِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَالْمُدَّعِي لِلْغَلَطِ يَدَّعِي حَقَّ الْفَسْخِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِبَيِّنَةٍ اُسْتُحْلِفَ الشُّرَكَاءُ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَإِذَا أَنْكَرُوا حُلِّفُوا عَلَيْهِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ صَحَّ هَذَا الدَّلِيلُ لَوَجَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>