للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّصِيبَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ فَلَوْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُجْبَرْ كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ نَصِيبِهِ، وَفِي التَّجْرِيدِ وَكُلُّ قِسْمَةٍ وَقَعَتْ بِاخْتِيَارِ الْقَاضِي، أَوْ بِاخْتِيَارِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يُخَيِّرُهُمَا الْقَاضِي عَلَيْهِ إذَا بَنَى أَحَدُهُمَا بِنَاءً، أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى الْآخَرِ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ، أَوْ دَارَيْنِ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ غَلَّةِ دَارٍ، أَوْ دَارَيْنِ صَحَّ) يُحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرِهَا - لُغَةً وَشَرْعًا - وَشَرْطِهَا وَصِفَتِهَا وَدَلِيلِهَا وَحُكْمِهَا أَمَّا دَلِيلُهَا فَقَوْلُهُ: تَعَالَى {هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: ١٥٥] وَمِنْ السُّنَّةِ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ كُلَّ بَعِيرٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَكَانُوا يَتَنَاوَبُونَ فِي الرُّكُوبِ» وَاجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهَا وَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ فَيُصَارُ إلَيْهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ لَتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَ التَّهَايُؤُ هُنَا جَمْعًا لِلْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَتَفْسِيرُهَا لُغَةً فَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّهَيُّؤِ وَهُوَ أَنْ يُهَيِّئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا شَرَطَ لَهُ، وَفِي الشَّارِحِ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةِ الظَّاهِرَةِ لِلتَّهَيُّؤِ لِلشَّيْءِ، وَإِبْدَالُ الْهَمْزَةِ أَلِفًا فِيهَا وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَوَافَقُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَرْضَى بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا.

وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا فَهِيَ مُبَادَلَةٌ مَعْنًى وَلَيْسَتْ بِإِقْرَارٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهَا لَا تَجْرِي فِي الْمِثْلِيَّاتِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَأَمَّا شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا، وَصِفَتُهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ وَلَمْ يَطْلُبْ الشَّرِيكُ الْآخَرُ قِسْمَةَ الْأَصْلِ وَقَدْ يَكُونُ بِالزَّمَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْمَكَانِ، وَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فَقَالُوا: إنْ جَرَتْ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَالْمَنْفَعَةُ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ تَفَاوَتَا تَفَاوُتًا يَسِيرًا فَهِيَ إقْرَارٌ، وَإِنْ جَرَتْ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ كَالدَّارِ وَالْعَبِيدِ يُعْتَبَرْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمْ، وَفِي الْكَافِي وَلَا يَبْطُلُ التَّهَايُؤُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا. اهـ.

وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَلَوْ وَقَعَ التَّهَايُؤُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ وَيَبْطُلُ التَّهَايُؤُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ أَمَّا إذَا تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا بَعْضَهَا وَالْآخَرُ الْبَعْضَ، أَوْ أَحَدُهُمَا الْعُلُوَّ وَالْآخَرُ السُّفْلَ جَازَتْ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا التَّهَايُؤُ وَهُوَ إقْرَارٌ لَا مُبَادَلَةٌ لِأَنَّهَا لَا تُجَوِّزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الرِّبَا.

وَقِيلَ هُوَ إقْرَارٌ مِنْ وَجْهٍ، عَارِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتْرُكُ مَا لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ بِعِوَضٍ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا فِي الْكُلِّ، أَوْ عَارِيَّةً فِي الْبَعْضِ وَالْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَالْمُهَايَأَةُ لَازِمَةٌ فَإِنْ قِيلَ: جَمْعُ الْمَنَافِعِ الشَّائِعَةِ فِي السِّنِّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُحَالٌ لِعَدَمِ جَوَازِ انْتِقَالِ الْعَرَضِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلْقَاضِي جَمْعُهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَهَا حَقِيقَةً حَتَّى يَتَوَجَّهَ مَا ذُكِرَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَبِرُهُمَا جَمِيعًا ضَرُورَةً اهـ.

وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ التَّأْقِيتِ، وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إقْرَارٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَوْ أَشْغَلَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ جَازَ شَرَطَ فِي الْمُهَايَأَةِ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي الِاشْتِغَالِ حَالَ الِانْفِرَادِ فَيَجُوزُ تَبَعًا لِلْمُهَايَأَةِ فِي السُّكْنَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارَيْنِ جَازَ وَيُجْبَرُ الْآبِي عَنْهَا وَيُعْتَبَرُ إفْرَازًا كَالْأَعْيَانِ الْمُتَفَاوِتَةِ فَلَوْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ شَيْئًا، أَوْ رَبَطَ فِيهَا دَابَّةً فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ وَمَاتَ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ بَنَى، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا ضَمِنَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ مَرَافِقِ السُّكْنَى حَتَّى يَمْلِكَهُ الْمُسْتَعِيرُ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا يَضْمَنُ، وَفِي الْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي مِقْدَارِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَضْمَنُ وَلَا يَضْمَنُ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا، أَوْ يُؤَجِّرَهَا، وَإِنْ زَادَتْ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا لَا يُشَارِكُ الْآخَرُ فِي الْفَضْلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ قِسْمَةِ الْمَنْفَعَةِ حَقِيقَةً وَلَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي الْخِدْمَةِ عَبْدًا جَازَ لِأَنَّهَا مُتَعَيَّنَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ، وَالْبَيْتُ الصَّغِيرُ كَالْعَبْدِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلهُمَا يَأْمُرهُمْ الْقَاضِي بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ اخْتَارُوا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ تَطْيِيبًا لِمُعَمِّرِهِ وَنَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي عَبْدَيْنِ عَلَى الْخِدْمَةِ جَازَ.

أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>