يَنْبَغِي إجَابَةُ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ كَانَ مُؤَذِّنَ مَسْجِدِهِ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ سَمِعَ الْأَذَانَ نُدِبَ لَهُ الْإِجَابَةُ أَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَفِي الْقُنْيَةِ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَمْشِي فَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ سَاعَةً وَيُجِيبَ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ فَمَا عَمِلَ بَعْدَهُ فَهُوَ حَرَامٌ وَكَانَتْ تَضَعُ مِغْزَلَهَا وَإِبْرَاهِيمُ الصَّائِغُ يُلْقِي الْمِطْرَقَةَ مِنْ وَرَائِهِ وَرَدَّ خَلَفٌ شَاهِدًا لِاشْتِغَالِهِ بِالنَّسِيجِ حَالَةَ الْأَذَانِ وَعَنْ السَّلْمَانِيِّ كَانَ الْأُمَرَاءُ يُوقِفُونَ أَفْرَاسَهُمْ لَهُ وَيَقُولُونَ كُفُّوا. اهـ.
وَأَمَّا الْحَوْقَلَةُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ فَهُوَ وَإِنْ خَالَفَ ظَاهِرَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» لَكِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مُفَسَّرٌ لِذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَوْقَلَةِ وَالْحَيْعَلَةِ عَمَلًا بِالْأَحَادِيثِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ طَلَبُهَا صَرِيحًا فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ لَا يَتِمُّ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْمُجِيبِ بِهِمَا دَاعِيًا لِنَفْسِهِ مُحَرِّكًا مِنْهَا السَّوَاكِنَ مُخَاطَبًا لَهَا، وَقَدْ أَطَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامَ فِيهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ سَامِعَ الْحَيْعَلَةِ لَا يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِهْزَاءَ وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ فَذَاكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ. لِأَنَّهُ كَيْفَ يُنْسَبُ فَاعِلُهُ إلَى الْجَهْلِ مَعَ وُرُودِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الْمُخَصَّصَ الْأَوَّلَ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا لَا يُخَصَّصُ بَلْ يُعَارَضُ أَوْ يُقَدَّمُ الْعَامُّ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ مَنْ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَدْعُو نَفْسَهُ، ثُمَّ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ لِيَعْمَلَ بِالْحَدِيثَيْنِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي أُمَامَةَ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنْ لَا يَسْبِقَ الْمُؤَذِّنَ بَلْ يَعْقُبُ كُلَّ جُمْلَةٍ مِنْهُ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ. اهـ.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ السَّامِعُ هَلْ يُجِيبُ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ لَا يُجِيبُ وَإِلَّا يُجِيبُ وَفِي الْمُجْتَبَى فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ لَا يُجِيبُ فِي الصَّلَاةِ وَاسْتِمَاعِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَثَلَاثِ خُطَبٍ الْمَوْسِمِ وَالْجِنَازَةِ وَفِي تَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمِهِ وَالْجِمَاعِ وَالْمُسْتَرَاحِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالتَّغَوُّطِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُثْنِي بِلِسَانِهِ وَكَذَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لَا يَجُوزُ أَذَانُهُمَا وَكَذَا ثَنَاؤُهُمَا. اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالثَّنَاءِ الْإِجَابَةُ وَكَذَا لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ عِنْدَ الْأَكْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي الْمُجْتَبَى مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَانْتَظَرَ الْإِقَامَةَ فِي بَيْتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اجْعَلْ أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ فَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ حَسَنًا وَكَذَا لَوْ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ تَرْكُ السُّنَّةِ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا قُلْنَا: لِأَنَّ الْأَذَانَ مَعَهُ أَحْسَنُ فَإِذَا تَرَكَهُ بَقِيَ الْأَذَانُ حَسَنًا، كَذَا فِي الْكَافِي فَالْحَسَنُ رَاجِعٌ إلَى الْأَذَانِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْإِعْلَامِ؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ يَبْدَأُ مِنْ مَخَارِجِ النَّفَسِ فَإِذَا سَدَّ أُذُنَيْهِ اجْتَمَعَ النَّفَسُ فِي الْفَمِ فَخَرَجَ الصَّوْتُ عَالِيًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ رُبَّمَا لَمْ يَسْمَعْ إنْسَانٌ صَوْتَهُ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَسْتَدِلُّ بِأُصْبُعَيْهِ عَلَى أَذَانِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَضْعُ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ فِي الْإِقَامَةِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِقَامَةَ أَخْفَضُ مِنْ الْأَذَانِ. (قَوْلُهُ: وَيُثَوِّبُ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ وَالتَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَمِنْهُ الثَّيِّبُ؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا وَالثَّوَابُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ عَمَلِهِ تَعُودُ إلَيْهِ وَالْمَثَابَةُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُودُونَ إلَيْهِ وَوَقْتُهُ بَعْدَ الْأَذَانِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان وَفَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ الْأَذَانِ قَدْرَ عِشْرِينَ آيَةً، ثُمَّ يَثُوبُ، ثُمَّ يَمْكُثُ كَذَلِكَ، ثُمَّ يُقِيمُ وَهُوَ نَوْعَانِ قَدِيمٌ وَحَادِثٌ فَالْأَوَّلُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَكَانَ بَعْدَ الْأَذَانِ إلَّا أَنَّ عُلَمَاءَ الْكُوفَةِ أَلْحَقُوهُ بِالْأَذَانِ وَالثَّانِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ إلَخْ) أَقُولُ: مَنْ كَانَ يَقُولُ بِالْجَمْعِ مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ سُلْطَانُ الْعَارِفِينَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ إلَخْ) سَبَقَهُ إلَيْهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ حَيْثُ قَالَ فَلَوْ سَكَتَ حَتَّى فَرَغَ كُلُّ الْأَذَانِ ثُمَّ أَجَابَ قَبْلَ فَاصِلٍ طَوِيلٍ كَفَى فِي أَصْلِ سُنَّةِ الْإِجَابَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute