وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَكَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَمَعْنَى يُجَرْجِرُ يُرَدِّدُ مِنْ جَرْجَرَ الْفَحْلُ إذَا رَدَّدَ صَوْتَهُ فِي حَنْجَرَتِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: قِيلَ صُورَةُ الْإِدْهَانِ الْمُحَرَّمِ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الدُّهْنَ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى الرَّأْسِ لَا يُكْرَهُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ حَيْثُ عَبَّرَ بِقِيلَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَالُوا: وَهَذَا إذَا كَانَ يَصُبُّ مِنْ الْآنِيَةِ عَلَى رَأْسِهِ أَمْ بَدَنِهِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَأَخْرَجَ مِنْهَا الدُّهْنَ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ فَلَا يُكْرَهُ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ صِحَّتَهُ قَالَ فِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَأَرَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالْمِيلِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا حِينَ الِاكْتِحَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ: وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ عَلَى مَا قِيلَ فِي صُورَةِ الْإِدْهَانِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَكَذَا إذَا أَخَذَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِمَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَالَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِرَاضِ أَقُولُ: مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مَعْنَى عِبَارَةِ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِمْ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ " مِنْ " فِي قَوْلِهِمْ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْأَدَوَاتِ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسَبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ الْأَوَانِيَ الْكَبِيرَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَجْلِ أَكْلِ الطَّعَامِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أَكَلَ مِنْهَا بِالْيَدِ، أَوْ الْمِلْعَقَةِ، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهَا وَوَضَعَ عَلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا وَكَذَا الْأَوَانِي الصَّغِيرَةُ الْمَصْنُوعَةُ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُخِذَتْ وَصُبَّ مِنْهَا الدُّهْنُ عَلَى الرَّأْسِ لِأَنَّهَا صُنِعَتْ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ مِنْهَا بِذَلِكَ الْوَجْهِ، وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ الدُّهْنَ وَصَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ وَمِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ الْمُحَرَّمِ اهـ.
وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي عِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا وَقَفَ كُلُّهُ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُتَعَارَفَ فِيهِ التَّنَاوُلُ بِالْيَدِ وَالْمَعْرِفَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ لَا تَصْلُحُ فَارِقًا، وَفِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْهِنَ رَأْسَهُ بِدُهْنٍ مِنْ إنَاءِ فِضَّةٍ وَكَذَا إذَا صَبَّ الدُّهْنَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، أَوْ لِحْيَتَهُ، وَفِي الْغَالِيَةِ لَا بَأْسَ وَلَا يَصُبُّ الْغَالِيَةَ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الدُّهْنِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَجْمِرَ بِمِجْمَرِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِقَلَمِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ دَوَاةٍ كَذَلِكَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لَا مِنْ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ) يَعْنِي لَا تُكْرَهُ الْأَوَانِي مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: تُكْرَهُ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ بِالتَّفَاخُرِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي مَعْنَاهُمَا فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ بِهِمَا وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الصُّفْرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إبَاحَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ عَيْنُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ الشُّرْبُ فِي إنَاءٍ مُفَضَّضٍ وَالرُّكُوبُ عَلَى سَرْجٍ مُفَضَّضٍ وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُفَضَّضٍ وَيَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ) يَعْنِي يَتَّقِي مَوْضِعَهَا بِالْفَمِ وَقِيلَ بِالْفَمِ وَالْيَدِ فِي الْأَخْذِ وَالشُّرْبِ، وَفِي السَّرْجِ وَالْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الْجُلُوسِ وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا الْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهِمَا وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي نَصْلِ السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ، أَوْ فِي قَبْضَتِهِمَا وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ فِي مَوْضِعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ حَلْقَةٍ لِلْمَرْأَةِ، أَوْ جَعَلَ الْمُصْحَفَ مُذَهَّبًا، أَوْ مُفَضَّضًا وَكَذَا اللِّجَامُ وَالرِّكَابُ الْمُفَضَّضُ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رُوِيَ مَعَ الْإِمَامِ وَرُوِيَ مَعَ الثَّانِي وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ يَخْلُصُ، وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَالَ الشَّارِحُ لِلثَّانِي مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ شَرِبَ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ حَيْثُ قَالُوا لَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ كَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَى الْإِمَامِ لَكِنْ لَمْ نَجِدْهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا خَالِيًا عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ اهـ.
أَقُولُ: عَدَمُ وِجْدَانِ تِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute