رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَحْوَ عَشْرِ آيَاتٍ وَالْعِشَاءُ كَالظُّهْرِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فَلْيَجْلِسْ قَدْرَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا أَنَّهُ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ مُرَاعَاةُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ رَآهُمْ اجْتَمَعُوا أَقَامَ وَإِلَّا انْتَظَرَهُمْ وَلَعَلَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَهُ لِهَذَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ. (قَوْلُهُ: وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ وَيُقِيمُ) ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْوَقْتِ فَإِذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ تُقْضَى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حِينَ نَامُوا عَنْ الصُّبْحِ وَصَلُّوهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ» وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلِهَذَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ إنْ كَانَتْ صَلَاةً يُجْهَرُ فِيهَا وَإِلَّا خَافَتَ بِهَا، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الضَّابِطَ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَدَاءً كَانَ أَوْ قَضَاءً يُؤَذَّنُ لَهُ وَيُقَامُ سَوَاءٌ أَدَّى مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّ أَدَاءَهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مَكْرُوهٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. اهـ.
وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ مَا تُؤَدِّيه النِّسَاءُ أَوْ تَقْضِيه لِجَمَاعَتِهِنَّ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَرَكَهُمَا لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةُ حَالَ شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالَ الِانْفِرَادِ أَوْلَى أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَضَاهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ سُنَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْبُيُوتِ دُونَ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ فِيهِ تَشْوِيشًا وَتَغْلِيظًا. اهـ.
وَإِذَا كَانُوا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا تُقْضَى فِي الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّكَاسُلِ فِي إخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا فَالْوَاجِبُ الْإِخْفَاءُ فَالْأَذَانُ لِلْفَائِتَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَحُكْمُ الْأَذَانِ لِلْوَقْتِيَّةِ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلُ الْبَابِ سُنَّ لِلْفَرَائِضِ وَسَيَأْتِي آخِرُ الْبَابِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ فِي الْأَدَاءِ إنَّمَا هُوَ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ لَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْمُتَقَدِّمُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَقْتِيَّةِ فَإِنَّهُ إذَا صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِلْأَدَاءِ فِي الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَدَاءِ وَكِلَاهُمَا فِي بَيْتِهِ لَا فِي الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ آخِرَ الْبَابِ وَهَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِأَذَانِ الْفَائِتَةِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْجَمَاعَةِ يَرْفَعُ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ يَرْفَعُ لِلتَّرْغِيبِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ فِي رَفْعِ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلَا جِنٌّ وَلَا مَدَرٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ لَا يَرْفَعُ وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لِأُولَى الْفَوَائِتِ وَخُيِّرَ فِيهِ لِلْبَاقِي) أَيْ فِي الْأَذَانِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ بِسَنَدِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ شَغْلَهُمْ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ عَنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَضَاهُنَّ عَلَى الْوَلَاءِ وَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ» وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ وَلَهُ التَّرْكُ لِمَا عَدَا الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلِاسْتِحْضَارِ وَهُمْ حُضُورٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْبَاقِيَ بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ قَالَ الرَّازِيّ إنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْمَذْكُورُ فِي الظَّاهِرِ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا هُوَ حُكْمُ الْفَوَائِتِ صَرِيحًا فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَكَيْفَ يَصِحُّ مَعَ هَذَا الْحَمْلِ أَنْ يُقَالَ يُؤَذِّنُ لِأُولَى الْفَوَائِتِ وَيُخَيَّرُ فِيهِ لِلْبَاقِي قَيَّدَ بِالْفَائِتَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْفَاسِدَةِ إذَا أُعِيدَتْ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ الْأَذَانُ وَلَا الْإِقَامَةُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى قَوْمٌ ذَكَرُوا فَسَادَ صَلَاةٍ صَلَّوْهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي الْوَقْتِ قَضَوْهَا بِجَمَاعَةٍ فِيهِ وَلَا يُعِيدُونَ الْأَذَانَ وَلَا الْإِقَامَةَ وَإِنْ قَضَوْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَوْهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَفِي الْمُسْتَصْفَى التَّخْيِيرُ فِي الْأَذَانِ لِلْبَاقِي إنَّمَا هُوَ إذَا قَضَاهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا قَضَاهَا فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ كِلَاهُمَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ:
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهَذَا يَقْتَضِي إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَدَاءِ) أَيْ لِأَنَّ أَذَانَ الْحَيِّ يَكْفِيهِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ كَذَلِكَ زَائِدَةٌ لَا مَعْنَى لَهَا فَالْوَاجِبُ إسْقَاطُهَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ لَا يَرْفَعُ) يُنْظَرُ مَا عِلَّةُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ زِيَادَةَ سَمَاعٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ إلَخْ مَا قَدْ يُفِيدُ شُمُولَ الْبَيْتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْبَاقِيَ بِالْإِقَامَةِ لَا غَيْرُ) أَيْ وَلَا يَكُونُ مُخَيَّرًا لِلْأَذَانِ فِي الْبَاقِي. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَقْضُونَهَا فِي مَسْجِدٍ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا تُقْضَى فِي الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّكَاسُلِ فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ فَتَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute