مَنْ لَا يَحْفِرُ وَلَا يَبْعَثُ أَحَدًا هَلْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: يُمْنَعُ مِنْ الْمَاءِ.
الِاسْتِبْرَاءُ لُغَةً طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفُرُوجِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَفِي الشَّرْعِ طَلَبُ بَرَاءَةِ رَحِمِ الْمَرْأَةِ الْمَمْلُوكَةِ.
وَصِفَتُهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ مِلْكُ الْأَمَةِ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ اهـ.
قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ مَلَكَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَلَمْسُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَبَبِ إحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحْتَرَمَةِ - عَنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَالِاشْتِبَاهِ -، وَالْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ هَالِكٌ لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ وَمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَالْإِصْلَاحِ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ انْعِلَاقَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ مِنْ مَاءَيْنِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ يَقُولُ: حُكْمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ الِاخْتِلَاطُ حَقِيقَةً وَاَلَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ هُنَا الِاخْتِلَاطُ حُكْمًا وَهُوَ أَنْ يَبِينَ الْوَلَدُ: مَنْ أَيِّ مَاءٍ هُوَ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ الْمُحْتَرَمِ كَذَلِكَ كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَتَعْبِيرُ الْمُؤَلِّفِ بِمِلْكٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِالشِّرَاءِ لِعُمُومِ الْمِلْكِ، وَالشِّرَاءُ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَقُولُ: فِي إطْلَاقِ قَوْلِهِ " مَلَكَ " نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً وَهُوَ زَوْجُهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ أَوْ كَانَتْ تَحْتَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ وَلَكِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ أَنْ اسْتَبْرَأَهَا وَقَبَضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُخْرِجَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَلَمَّا كَانَ السَّبَبُ إحْدَاثَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ الْمُؤَكَّدِ بِالْيَدِ نَفَذَ الْحُكْمُ إلَى سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ، وَمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا.
وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْمُشْتَرَاةُ بِكْرًا لَمْ تُوطَأْ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ وَإِدَارَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَسْبَابِ دُونَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا لِحَقَائِقِهَا وَلَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَائِهَا وَلَا بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بِالْوِلَادَةِ الَّتِي وَلَدَتْهَا بَعْدَ الْأَسْبَابِ قَبْلَ الْقَبْضِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا لَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا صَحِيحًا وَتَجِبُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ وَيَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْهَا وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَوْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِوُجُودِهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهَذَا اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ، وَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إذَا رَجَعَتْ الْآبِقَةُ أَوْ رُدَّتْ الْمَغْصُوبَةُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ فُكَّتْ الْمَرْهُونَةُ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ وَفِي الْأَكْمَلِ هُنَا إذَا أَبَقَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَتْ، فَإِنْ أَبَقَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى مَوْلَاهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا وَلَوْ أَقَالَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الِاسْتِبْرَاءُ.
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا بِالْوُجُوبِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ بَعْدَمَا حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ اعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَبْطَلَ الْبَيْعَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَطَأْ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ وَإِذَا حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ حَرُمَ الدَّوَاعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْوَطْءِ أَوْ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاسْتُشْكِلَ حَيْثُ تَعَدَّى الْحُكْمُ مِنْ الْأَصْلِ - وَهِيَ الْمَسَّةُ - إلَى الْفَرْعِ وَهُوَ غَيْرُهَا حَتَّى حَرُمَتْ الدَّوَاعِي فِي الْمَسَّةِ دُونَهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْمُشْتَرَاةِ دُونَ غَيْرِهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ فِي الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي الِاسْتِبْرَاءِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute