الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْفَاسِقِ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ سُكْرُهُ مِنْ مُبَاحٍ فَلَا يَكُونُ فَاسِقًا فَلِذَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى كَرَاهَةِ أَذَانِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ بِالْأَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِإِعَادَةِ أَذَانِ مَنْ كُرِهَ أَذَانُهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ قَالُوا يُعَادُ أَذَانُ الْجُنُبِ لَا إقَامَتُهُ عَلَى الْأَشْبَهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى؛ لِأَنَّ تَكْرَارَهُ مَشْرُوعٌ كَمَا فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ لِإِعْلَامِ الْغَائِبِينَ فَتَكْرِيرُهُ مُفِيدٌ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ سَمَاعِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ تَكْرَارِ الْإِقَامَةِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ إعَادَةِ إقَامَةِ الْمُحْدِثِ بِالْأَوْلَى وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْإِعَادَةَ لِأَذَانِ الْجُنُبِ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ الْأَذَانُ وَالصَّلَاةُ وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِاسْتِحْبَابِ إعَادَتِهِ وَصَرَّحَ قَاضِي خان بِأَنَّهُ تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ عَنْ أَغْلَظِ الْحَدَثَيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا فَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ أَذَانِ الْجُنُبِ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَتْ إعَادَتُهُ مُسْتَحَبَّةٌ وَيُعَادُ أَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى أَذَانِ هَؤُلَاءِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ فَرُبَّمَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ الْأَذَانَ الْمُعْتَبَرَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فَيُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ أَوْ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ الْمُؤَدَّى أَوْ إيقَاعُهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ فِي الْجُنُبِ وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْهَضَ فِسْقُهُ وَصَرَّحَ بِكَرَاهَةِ أَذَانِ الْفَاسِقِ وَلَا يُعَادُ فَالْإِعَادَةُ فِيهِ لِيَقَعَ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا وُجِدَتْ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ إذَا غَشِيَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ مَاتَ أَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ أَوْ حُصِرَ فِيهِ وَلَا مُلَقِّنَ أَوْ خَرِسَ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان مَعْنَاهُ
فَإِنْ حُمِلَ الْوُجُوبُ عَلَى ظَاهِرِهِ اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ نَفْسِ الْأَذَانِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَاسْتِقْبَالُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ إتْمَامِهِ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ إذَا شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَطَعَ تَبَادَرَ إلَى ظَنِّ السَّامِعِينَ أَنَّ قَطْعَهُ لِلْخَطَأِ فَيَنْتَظِرُونَ الْأَذَانَ الْحَقَّ، وَقَدْ تَفُوتُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ فَوَجَبَ إزَالَةُ مَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَذَانٌ أَصْلًا حَيْثُ لَا يَنْتَظِرُونَ بَلْ يُرَاقِبُ كُلٌّ مِنْهُمْ وَقْتَ الصَّلَاةِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ مُرَاقِبًا إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِيمَنْ ذَكَرْنَاهُمْ آنِفًا إلَّا الْجُنُبَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَإِذَا غُشِيَ عَلَيْهِ فِي أَذَانِهِ أَوْ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ فَالْأَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْأَذَانِ وَكَذَا صَرَّحَ بِالِاسْتِحْبَابِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْقُنْيَةِ وَقَفَ فِي الْأَذَانِ لِتَنَحْنُحٍ أَوْ سُعَالٍ لَا يُعِيدُ وَإِنْ كَانَتْ الْوَقْفَةُ كَثِيرَةً يُعِيدُ. اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ إعَادَةَ أَذَانِ الْمَرْأَةِ وَالسَّكْرَانِ مُسْتَحَبَّةٌ فَصَارَ الْحَاصِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْعَدَالَةَ وَالذُّكُورَةَ وَالطَّهَارَةَ صِفَاتُ كَمَالٍ لِلْمُؤَذِّنِ لَا شَرَائِطُ صِحَّةٍ فَأَذَانُ الْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجُنُبِ صَحِيحٌ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُؤَذِّنُ مَعْلُومَ وَظِيفَةِ الْأَذَانِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْوَقْفِ وَيَصِحُّ تَقْرِيرُ الْفَاسِقُ فِيهَا وَفِي صِحَّةِ تَقْرِيرِ الْمَرْأَةِ فِي الْوَظِيفَةِ تَرَدُّدٌ لَكِنْ ذُكِرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا لَمْ يُعِيدُوا أَذَانَ الْمَرْأَةِ فَكَأَنَّهُمْ صَلُّوا بِغَيْرِ أَذَانٍ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ أَذَانُ الْفَاسِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَبُولِ خَبَرِهِ وَالِاعْتِمَادِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ إعَادَتُهُ مُسْتَحَبَّةً) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مَقَامٌ آخَرُ. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان مَعْنَاهُ) أَيْ فِيهَا مَعْنَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ حَمْلَ الْوُجُوبِ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْجُنُبُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ هَذَا وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِيهِمْ إنْ عَلِمَ النَّاسُ حَالَهُمْ وَجَبَتْ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لِيَقَعَ فِعْلُ الْأَذَانِ مُعْتَبَرًا وَعَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لَمْ يَبْعُدْ وَعَكْسُهُ فِي الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّتِهِ) أَقُولُ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ أَذَانُ الْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَلَوْ أَذَّنَتْ لِلْقَوْمِ أَجْزَأَهُمْ حَتَّى لَا يُعَادَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ وَكَذَا يُكْرَهُ أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا حَتَّى لَا يُعَادَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَلَا يُجْزِئُ وَيُعَادُ؛ لِأَنَّ مَا يَصْدُرُ لَا عَنْ عَقْلٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَصَوْتِ الطُّيُورِ وَيُكْرَهُ أَذَانُ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَهَلْ يُعَادُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعَادَ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ أَذَانُ الْفَاسِقِ إلَخْ) كَذَا فِي النَّهْرِ أَيْضًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعَادُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُكْرَهُ وَلَا يُعَادُ وَكَذَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ عَنْ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ اعْلَمْ أَنَّ إعَادَةَ أَذَانِ الْجُنُبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالصَّبِيِّ وَالْفَاجِرِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَاعِدِ وَالْمَاشِي وَالْمُنْحَرِفِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَقِيلَ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ. اهـ.
فَقَدْ صَرَّحَ بِإِعَادَةِ أَذَانِ الْفَاجِرِ أَيْ الْفَاسِقِ لَكِنْ فِي كَوْنِ أَذَانِهِ مُعْتَدًّا بِهِ نَظَرٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِدُخُولِ الْأَوْقَاتِ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ وَالصَّبِيُّ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِأَذَانِهِمْ أَصْلًا وَلَا يَصِحُّ تَقْرِيرُهُمْ فِي وَظِيفَةِ الْأَذَانِ لِعَدَمِ حُصُولِ فَائِدَتِهِ، وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُهُ بِالِاعْتِدَادِ بِهِ مِنْ جِهَةِ قِيَامِ الشَّعَائِرِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْمُقَاتَلَةِ بِتَرْكِهِ وَعَدَمِ الْإِثْمِ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute