للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّهَادَةَ بِالْخَيْرِيَّةِ لَمْ تَكُنْ، إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا يَتَدَرَّجُ الضَّارِي لِئَلَّا يَتَعَدَّاهُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ بِأَنْ يَنْفِرَ مِنْ الْإِسْلَامِ. اهـ.

وَأُضِيفَ هَذَا الْكِتَابُ إلَى الْأَشْرِبَةِ وَالْحَالُ أَنَّ الْأَشْرِبَةَ جَمْعُ شَرَابٍ وَهُوَ اسْمٌ فِي اللُّغَةِ لِكُلِّ مَا يُشْرَبُ مِنْ الْمَائِعَاتِ حَرَامًا كَانَ أَوْ حَلَالًا وَفِي اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِمَا هُوَ حَرَامٌ مِنْهُ وَكَانَ مُسْكِرًا لِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْأَشْرِبَةِ كَمَا سَمَّى كِتَابَ الْحُدُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ الْحُدُودِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَفِي أَوَائِلِ الْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّ إضَافَةَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ إلَى الْأَعْيَانِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرِ الْأَشْرِبَةِ لُغَةً وَشَرْعًا - وَقَدْ تَقَدَّمَ -، وَإِلَى بَيَانِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَشْرِبَةُ، وَأَسْمَائِهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الشَّرَابُ مَا يُسْكِرُ) هَذَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَهَذَا مَعْنَاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُحَرَّمُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ: الْخَمْرُ وَهِيَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ وَحَرُمَ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا) وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهَا سُمِّيَتْ خَمْرًا لِمُخَامَرَةِ الْعَقْلِ وَكُلُّ مُسْكِرٍ يُخَامِرُ الْعَقْلَ وَلَنَا إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي النِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَتَسْمِيَةِ غَيْرِهَا بِالْخَمْرِ مَجَازًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ كَذَا فِي الشَّارِحِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ نُقِلَ فِي الْقَامُوسِ: الْخَمْرُ مَا يُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ عَامٌّ قَالَ: وَالْعُمُومُ أَصَحُّ وَأَيْضًا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ لِلْخَمْرِ هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ صَارَ خَمْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ؛ لِأَنَّ اللَّذَّةَ تَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالصَّدِّ عَنْ الصَّلَاةِ وَلَهُ أَنَّ الْغَلَيَانَ بِدَايَةُ الشِّدَّةِ، وَكَمَالُهُ بِقَذْفِ الزَّبَدِ.

وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا فِي بَيَانِ مَاهِيَّتِهِ، وَالثَّانِي وَقْتُ ثُبُوتِ هَذَا الِاسْمِ - وَقَدْ تَقَدَّمَا -، وَالثَّالِثُ أَنَّ عَيْنَهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالسُّكْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالسُّكْرِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ غَيْرُ الْمُسْكِرِ مِنْهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ بِالسُّكْرِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، وَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ، وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ نَجَاسَةً غَلِيظَةً كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَالْخَامِسُ أَنَّ مُسْتَحِلَّهَا يُكَفَّرُ لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ، وَالسَّادِسُ سُقُوطُ تَقْوِيمِهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهَا، السَّابِعُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالثَّامِنُ أَنَّهُ يُحَدُّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ، وَالتَّاسِعُ أَنَّ الطَّبْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ لَا لِرَفْعِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَالْعَاشِرُ جَوَازُ تَحْلِيلِهَا عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْكَافِي وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَسْقِيَهُ ذِمِّيًّا أَوْ صَبِيًّا أَوْ دَابَّةً وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيُكْرَهُ الِاكْتِحَالُ بِالْخَمْرِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ فِي السَّعُوطِ وَفِي الْأَصْلِ لَوْ عُجِنَ الدَّقِيقُ بِالْخَمْرِ كُرِهَ أَكْلُهُ وَالْحِنْطَةُ إذَا وَقَعَتْ فِي الْخَمْرِ يُكْرَهُ أَكْلُهَا قَبْلَ الْغَسْلِ وَلَوْ انْتَفَخَتْ الْحِنْطَةُ فِي الْخَمْرِ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَطْهُرُ قَبْلَ الْغَسْلِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُغْسَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَتَطْهُرُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا طُبِخَ اللَّحْمُ فِي الْخَمْرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ طُبِخَ الْخَمْرُ بِالْمَاءِ، وَالْمَاءُ أَقَلُّ أَوْ سَوَاءٌ يُحَدُّ شَارِبُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ لَا يُحَدُّ إلَّا ذَا سَكِرَ وَفِي الْكَافِي وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ مَالِيَّتِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَالٌ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالطِّلَاءُ وَهُوَ الْعَصِيرُ إنْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) وَهَذَا النَّوْعُ الثَّانِي قَالَ فِي الْمُحِيطِ: الطِّلَاءُ اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا وَهُوَ الصَّوَابُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ طِلَاءً لِقَوْلِ عُمَرَ مَا أَشْبَهَ هَذَا بِطِلَاءِ الْبَعِيرِ وَهُوَ النَّفْطُ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْبَعِيرُ إذَا كَانَ أَجْرَبَ، وَنَجَاسَتُهُ قِيلَ مُغَلَّظَةٌ وَقِيلَ مُخَفَّفَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَإِنْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَاذَقِ وَالْمُنَصَّفِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَاذَقِ وَالْمُنَصَّفِ وَالْمُسْكِرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَيَضْمَنُ مُتْلِفُهُمْ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ.

وَفِي الْيَنَابِيعِ الطِّلَاءُ مَا يُطْبَخُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ فِي نَارٍ أَوْ شَمْسٍ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ عَصِيرٌ مَحْضٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بَقِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْمَاءِ وَالْعَصِيرِ. اهـ.

وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُسَمَّى الطِّلَاءُ الْبَاذَقَ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الذَّاهِبُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَالْمُنَصَّفُ مَا ذَهَبَ نِصْفُهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ اهـ.

وَعِنْدَنَا إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ بِالزَّبَدِ وَإِذَا اشْتَدَّ وَلَمْ يَقْذِفْ بِالزَّبَدِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّكَرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ) وَهَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>