عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي عَلَى الْمُرْتَهِنِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَإِنْ بَقِيَتْ إحْدَاهُمَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْبَاقِي فَتَظْهَرُ قِيمَةُ الْهَالِكِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اخْتِلَافِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ مَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ لَا مِنْ جِهَتِهِمَا ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا ثَوْبًا، فَقَالَ لَهُ إنْ لَمْ أُعْطِك كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بَيْعٌ لَك بِمَا لَك عَلَيَّ قَالَ لَا يَجُوزُ.
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُعَلَّقُ الرَّهْنَ» هُوَ هَذَا، وَلَوْ رَهَنَ الْغَاصِبُ بِالْمَغْصُوبِ رَهْنًا وَالْمَغْصُوبُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ ضَامِنٌ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ وَقِيمَةِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى جِهَةِ الضَّمَانِ، وَلَيْسَ يَكُونُ الْمَغْصُوبُ دَيْنًا يَدْفَعُ بِهِ رَهْنًا وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَهَنَهُ صَارَ رَهْنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ بَعْدَ هَلَاكِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ رَهَنَهُ مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَهُ فُلَانٌ وَذُو الْيَدِ يَقُولُ هُوَ عَبْدٌ لِي يُقْضَى لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ انْتَصَبَ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ وَيُوضَعُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُمْسِكًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَذَا وَالرَّهْنُ غَائِبٌ يُدْفَعُ إلَيْهِ إذَا قَالَ غَصَبَهُ ذُو الْيَدِ وَأَخَذْتهَا مِنِّي بِعَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ فَيُنْصَبُ خَصْمًا لَهُ.
فَلَوْ لَمْ يَدَّعِ عَلَى ذِي الْيَدِ الْأَخْذَ مِنْ يَدِهِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ الْأَخْذَ مِنْ يَدِهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا مِلْكُهُ اغْتَصَبَهَا مِنْهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِعْلًا عَلَيْهِ فَانْتَصَبَ خَصْمًا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْأَخْذَ مِنْ يَدِهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا فَكَذَا هَذَا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ فِي يَدِهِ رَهْنًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ، ثُمَّ جَاءَ بِمَا يُسَاوِي مِائَةً، فَقَالَ لَمْ أَرْهَنْك هَذَا فَالْقَوْلُ لَهُ إذَا تَرَاجَعَ سِعْرُ مَا يُسَاوِي أَلْفًا إلَى مِائَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ تَغْيِيرَ السِّعْرِ الظَّاهِرِ شَاهَدَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ وَهُوَ كَافِرٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ، وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ وَالسَّرِقَةُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْإِيفَاءَ أَوْ زِيَادَةَ الْإِيفَاءِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَخَذْت الْمَالَ وَرَدَدْت الرَّهْنَ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ الرَّدَّ فَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الرَّهْنِ تُثْبِتُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ وَالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْقَبْضِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْلَ الْهَلَاكِ كَانَ اسْتِيفَاءً فِي حَقِّ الْحَبْسِ لَا فِي حَقِّ مِلْكِ الْغَيْرِ وَبِالْهَلَاكِ يَصِيرُ قَبْضُ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ ضَمَانُ الِاسْتِيفَاءِ ثَابِتًا قَبْلَ الْهَلَاكِ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ مُثْبِتَةُ الضَّمَانِ وَبَيِّنَةُ الرَّاهِنِ نَافِيَةً فَكَانَتْ الْمُثْبِتَةُ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَأَقَامَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْهَلَاكِ.
فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّدِّ كَانَ وَاجِبًا بِالْغَصْبِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ رَدَّ الْعَيْنِ حَالَ قِيَامِهَا وَرَدَّ الْقِيمَةِ حَالَ هَلَاكِهَا فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ مُثْبِتَةٌ الْبَرَاءَةَ عَنْ الضَّمَانِ وَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ نَافِيَةٌ لِلْبَرَاءَةِ فَكَانَتْ الْمُثْبِتَةُ أَوْلَى دَفَعَ إلَى آخَرَ قُلْبًا لِيَرْهَنَهُ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ بِعَشَرَةٍ وَوَزْنُ الْقُلُبِ عِشْرُونَ فَأَمْسَكَهُ فَأَعْطَاهُ عَشَرَةً مِنْ عِنْدِهِ، وَقَالَ رَهَنْته وَلَمْ يَقُلْ رَهَنْته عِنْدَ آخَرَ فَهَلَكَ الْقُلْبُ، فَإِنْ تَصَادَقَا يَرْجِعُ بِالْعَشَرَةِ وَكَانَ أَمِينًا فِي الْقُلْبِ، وَإِنْ تَجَاحَدَا، فَقَالَ أَقْرَرْت بِأَنَّك رَهَنْته قُلْت فَلَا شَيْءَ لَهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَمْسَكَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ أَوَّلًا أَنَّهُ رَهَنَهُ، فَإِذَا قَالَ لَمْ أَرْهَنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ كَذَبْت فِيمَا أَقْرَرْت بِهِ فَأَنْكَرَ الْمُقَرِّ لَهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَقَرِّ لَهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقَارِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الرَّهْنَ، وَقَدْ هَلَكَ فَصَارَ الْأَمْرُ مُوفِيًا الْعَشَرَةِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ ادَّعَى مَا يَحْتَمِلُهُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْ غَيْرَهُ وَرَهْنُهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَصِرْ مُنَاقِضًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِذَا طُلِبَ يَمِينُ الْمُقَرِّ لَهُ يَسْتَحْلِفُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ ثُمَّ قَالَ كَانَ تَلْجِئَةً أَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ.
فَإِنْ قَالَ الْأَمْرُ لِلْوَكِيلِ أَقْرَرْت أَنَّك رَهَنْته، ثُمَّ أَقْرَرْت أَنَّك لَمْ تَرْهَنْهُ فَنَاقَضَتْ فَأَنْتَ ضَامِنٌ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنْهُ قِيمَةَ الْقُلْبِ مِنْ الذَّهَبِ وَيَضْمَنُ لَهُ الْعَشَرَةَ طَعَنَ عِيسَى، وَقَالَ الْأَوْجَهُ ضَمَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا أَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ لَا يَضْمَنُ فَكَذَلِكَ إذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ رَهَنَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِرْهَانِ وَلَا يَتْرُكُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِجُحُودِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ جُحُودُهُ بِالْإِقْرَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ رَهَنْته فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَلَمَّا قَالَ لَمْ أَرْهَنْهُ صَارَ قَائِلًا أَنَّهُ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute