بِالسِّوَارِ أَوْ تَعَمَّمَ بِالْقَمِيصِ أَوْ وَضَعَ الْعِمَامَةَ عَلَى الْعَاتِقِ فَهَذَا كُلُّهُ حِفْظٌ، وَلَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لِلْإِمْسَاكِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْسَكُ لِلِاسْتِعْمَالِ فَكَانَ الْإِمْسَاكُ لِلْحِفْظِ وَإِذَا تَسَوَّرَ بِالسِّوَارِ وَمَا أَشْبَهَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ وُجِدَ فِي مَوْضِعٍ لِلِاسْتِعْمَالِ فَكَانَ اسْتِعْمَالًا وَحِفْظًا. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الرَّهْنُ إذَا كَانَ خَاتَمًا فَتَخَتَّمَ بِهِ فِي الْخِنْصَرِ الْيُمْنَى يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ لِلزِّينَةِ، وَإِنْ تَخَتَّمَ فَوْقَ خَاتَمٍ فِي ذَلِكَ الْإِصْبَعِ لَا يَضْمَنُ قِيلَ لِمُحَمَّدٍ إنَّ النَّاسَ يَسْتَعْمِلُونَ خَاتَمَيْنِ فِي خِنْصَرٍ وَاحِدٍ قَالَ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ لِلْخَتْمِ لَا لِلزِّينَةِ، قَالَ مَشَايِخُنَا: وَهَذَا فِي بِلَادِهِمْ، وَأَمَّا فِي بِلَادِنَا فَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ الثَّانِيَ لِلزِّينَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا فَيَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ، وَإِنْ تَخَتَّمَ فِي أُصْبُعٍ غَيْرِ الْخِنْصَرِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ كَذَلِكَ قَطُّ اسْتِعْمَالَ الزِّينَةِ، قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا تَخَتَّمَ وَجَعَلَ الْفَصَّ مِمَّا يَلِي فِي الْكَفِّ لَمْ يَضْمَنْ وَكَانَ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا الْوَكِيلُ يَقْبِضُ الدَّيْنَ إذَا أَخَذَ الرَّهْنَ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَضَاعَ عِنْدَهُ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا أَخَذَ رَهْنًا مِنْ غَرِيمٍ لِلْمَيِّتِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ فَضَاعَ عِنْدَهُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلِ الْإِقْرَاضَ وَالْأَدَاءَ وَإِنَّمَا قَبَضَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَمِينًا فِيهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ بِحِفْظِهِ بِغَيْرِهِ وَبِإِيدَاعِهِ وَتَعَدِّيهِ قِيمَتَهُ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عَيْنَهُ وَدِيعَةٌ الْوَدِيعَةُ تُضْمَنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِهَا فَيَضْمَنُ مِنْ جَمِيعِ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَهَلْ يَضْمَنُ لِلْمُودِعِ الثَّانِي فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي مُودَعِ الْمُودِعِ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ إنْ قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًا فَلَا يُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ إلَّا بِالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ أَصْلِهِ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ كَانَ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ، وَلَوْ رَهَنَ خَاتَمًا عِنْدَ امْرَأَةٍ فَجَعَلَتْ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ تَضْمَنُ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَكَذَا الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ لُبْسًا مُعْتَادًا ضَمِنَ، وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى عُنُقِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاتَمًا، وَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ تَخَتَّمَ بِهِ إنْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَخَتَّمَ بِهِ فِي الْخِنْصَرِ فَهَلَكَ فِي حَالِ التَّخَتُّمِ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالْحِفْظِ لَا بِالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ رَهَنَهُ سَيْفَيْنِ فَتَقَلَّدَهُمَا ضَمِنَ قَالَ فَخْرُ الدِّينِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ وَفِي الثَّلَاثَةِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ الشُّجْعَانِ بِتَقْلِيدِ السَّيْفَيْنِ فِي الْحَرْبِ دُونَ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ زَوَائِدَ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ فَجَذَّ الثِّمَارَ وَحَلَبَ اللَّبَنَ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْحِفْظِ، فَإِنْ خَافَ تَلَفَهُ عِنْدَهُ فَأَمْسَكَهُ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَبِيعَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَ الْمَالِكُ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا يَرْجِعْ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ بَعِيدًا مِنْ الْقَاضِي وَالْمَالِكِ وَخَافَ التَّلَفَ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْبَيْع دَلَالَةً، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ وَلَا أَنْ يُؤَجِّرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُجْرَةُ بَيْتِ الْحِفْظِ وَحَافِظِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَأُجْرَةُ رَاعِيهِ وَنَفَقَتُهُ وَالْخَرَاجُ عَلَى الرَّاهِنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ مَا يُحْتَاجَ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ لِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي فَصْلٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَيَكُونُ أَصْلًا وَتَبْقِيَتُهُ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ مِنْ مَأْكَلِهِ وَمُشْرَبِهِ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَفَ الْبَهَائِمَ. وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ كِسْوَةُ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَكَرْيُ النَّهْرِ وَكَسْرُ النَّهْرِ وَسَقْيُ الْبَسَاتِينَ وَتَلْقِيحُ نَخِيلِهِ وَجِذَاذِهَا وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ، وَفِي النَّوَازِلِ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الرَّهْنِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمُرْتَهِنَ بِالنَّفَقَةِ، فَإِذَا قَبَضَ الدَّيْنَ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ عَلَى النَّفَقَةِ، فَإِنْ هَلَكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ أَوْ لِرَدِّهِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ لِرَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمُدَاوَاةِ الْجُرْحِ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، مِثْلُ أُجْرَةِ الْحَافِظِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَالْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أُجْرَةُ الْبَيْتِ الَّتِي يَحْفَظُ فِيهِ الرَّهْنُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أُجْرَةَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جُعِلَ الْآبِقُ إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ كَانَتْ ثَابِتَةً عَلَى الْمَحِلِّ وَيَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِيَرُدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ فَكَانَتْ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَتَكُونُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً فَيُقَدَّرُ الْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَحِصَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute