للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرْتَهِنِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَهُ وَهُوَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ارْتَهَنَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ جَاءَ لَازِمًا وَفِيهِ ضَمَانٌ وَلَا لُزُومَ وَلَا ضَمَانَ فِي الْوَدِيعَةِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ كَأَنَّهُ أَوْدَعَهُ، ثُمَّ رَهَنَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُرَدُّ عَلَى الْإِيدَاعِ. وَأَمَّا الْإِيدَاعُ لَا يُرَدُّ عَلَى الرَّهْنِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ، الرَّاهِنُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الرَّهْنِ وَالْآخَرُ عَلَى الْبَيْعِ جُعِلَ بَيْعًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالرَّهْنُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ وَالْبَيْعُ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ وَالرَّهْنُ لَا فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْبَيْعِ أَكْثَرَ إثْبَاتًا وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِأَنْ تُجْعَلَ كَأَنَّهُ رَهَنَ أَوَّلًا، ثُمَّ بَاعَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ عَلَى الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ لَا يُرَدُّ عَلَى الْبَيْعِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الْهِبَةَ وَالْقَبْضَ يُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تُوجِبُ الْمَالَ لِلْحَالِ كَالْبَيْعِ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَالْقَبْضَ وَالْآخَرُ ادَّعَى الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ يُحْكَمُ بِالشِّرَاءِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ عَلِمَ بِتَقَدُّمِ الرَّهْنِ جُعِلَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضًا مُعَايَنًا وَلَا يُنْقَضُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَلِأَحَدِهِمَا قَبْضٌ مُعَايَنٌ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَصَاحِبُ الْقَبْضِ أَوْلَى، وَلَوْ شَهِدَ الرَّاهِنَانِ بِأَنَّ الْمَرْهُونَ مِلْكُ آخَرَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ يَجُرَّانِ؛ لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَمَغْنَمًا؛ لِأَنَّهُمَا يُرِيدَانِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا، وَفِي إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَنْ الرَّهْنِ نَفْعٌ لَهُمَا فِي الْجُمْلَةِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي شَهَادَتِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ فِي مَعْنَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَسْعَيَانِ فِي نَقْضِ عَقْدٍ قَدِيمٍ وَشَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارٌ فَهَذَا إقْرَارٌ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُرْتَهَن فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ صَرِيحًا، وَلَوْ شَهِدَ الْمُرْتَهِنَانِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا بَلْ يَضُرَّانِ بِأَنْفُسِهِمَا مَتَى كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَغْرَمًا؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ وَبَرِئَ الرَّاهِنُ عَنْ الدَّيْنِ ظَاهِرًا وَمَتَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُمَا بَاعَ رَجُلَانِ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُمَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ ثُمَّ شَهِدَ أَنَّ الْعَبْدَ لِرَجُلٍ، وَقَالَا نَرْضَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِالرَّهْنِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِإِبْطَالِ حَقِّهِمَا فِي الْحَبْسِ وَلَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَلَا يَسْعَيَانِ فِي نَقْضِ عَقْدٍ.

وَلَوْ طَلَبَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ؛ لِأَنْفُسِهِمَا بِرَهْنٍ وَيَسْعَيَانِ فِي نَقْضِ عَقْدٍ تَمَّ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ لَهُمَا النَّقْضُ ادَّعَيَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ الرَّهْنُ فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ الرَّاهِنِ وَالدَّعْوَى مِنْهُمَا حَالَ حَيَاةِ الرَّاهِنِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَقَدْ أَرَّخَا ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يُؤَرِّخَا فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَبَقَ ارْتِهَانُهُ وَلِأَنَّ يَدَهُ صَحِيحَةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بُطْلَانَهَا كَمَا لَوْ ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَرَّخَا يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا تَارِيخًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي آخِرُهُمَا تَارِيخًا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى رَهْنٍ فَاسِدٍ وَكَانَ الَّذِي هُوَ أَسْبَقُ انْفَرَدَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا لَا يُقْضَى لَهُمَا قِيَاسًا وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ بِنِصْفِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ رَهْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَبَذَ بَيِّنَتَهُمَا مَعًا فَصَحَّ الرَّهْنُ فَصَارَ الْعَبْدُ مَحْبُوسًا بِحَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ حَيَاةِ الرَّاهِنِ فَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ عَلَى ارْتِهَانِهِ مِنْهُ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ بِنِصْفِهِ رَهْنًا بِنِصْفِ حَقِّهِ يُبَاعُ فِيهِ عِنْدَهُمَا وَمَا بَقِيَ لِلْغُرَمَاءِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالرَّهْنِ مِنْهُمَا قَضَاءٌ بِرَهْنٍ مُشَاعٌ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لَهُمَا أَنَّ الْقَصْدَ مَطْلُوبٌ بِحُكْمِهِ لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِيَكُونَ وَسِيلَةً وَذَرِيعَةً إلَى حُكْمِهِ وَحِكْمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ هُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ وَلَا يَمْلِكُ اثْنَانِ الْيَدَ وَالْحَبْسَ فِي الْمُشَاعِ دَائِمًا فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالرَّهْنِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي لَوْ اُدُّعِيَا الرَّهْنَ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ عَلَى الِارْتِهَانِ مِنْ آخَرَ وَالرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنَانِ غَائِبَيْنِ أَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَاضِرٌ وَالْآخَرُ غَائِبٌ، فَإِنْ كَانَا غَائِبَيْنِ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ أَسْبَقَ تَارِيخًا؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى خَصْمٍ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَثْبَتَتْ بَيِّنَتُهُ كَوْنَهَا رَهْنًا فِي حَقِّ مَا فِي يَدِهِ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودِعِ فَكَانَ الشَّيْءُ رَهْنًا فِي يَدِ ذِي الْيَدِ كَمَا يَدَّعِيهِ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنَانِ حَاضِرَيْنِ فَالْخَارِجُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>