للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْفَسْخِ يَبْقَى فِي حَقِّ الْآخَرِ الرَّهْنُ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ وَكَانَ فِي نَقْضِهِ نَقْضُ الرَّهْنِ فِي الْكُلِّ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلَوْ نَقَضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِهِمَا كَتَصَرُّفِهِمَا حَتَّى يَكُونَ رَهْنُ أَحَدِهِمَا كَرَهْنِهِمَا فَكَذَا نَقْضُ أَحَدِهِمَا كَنَقْضِهِمَا، لَا يَمْلِكُهُ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا كَتَصَرُّفِهِمَا حَتَّى لَا يُجْعَلَ رَهْنُ أَحَدِهِمَا كَرَهْنِهِمَا، فَإِنْ نَقَضَهُ وَقَبَضَهُ وَهَلَكَ عِنْدَهُ، وَلَمْ يُبَاشِرْ الْعَقْدَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ ضَامِنًا حِصَّةَ مَنْ لَمْ يَنْقُضْ وَيَرْجِعُ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِمَا وَبِنِصْفِ الْقِيمَةِ الَّتِي ضَمِنَ عَلَى الَّذِي قَبَضَ مِنْهُ الرَّهْنَ طَعَنَ عِيسَى، فَقَالَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْقَابِضِ إلَّا إذَا ادَّعَى الْوَكَالَةَ مِنْ صَاحِبِهِ وَدَفَعَ إلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْوَكَالَةِ.

فَإِنَّ قِيَامَ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا خَلَلٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ النَّقْضِ عَلَى صَاحِبِهِ فَصَارَ الْمُرْتَهِنُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ النَّقْضَ لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا قَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبِي بِقَبْضِ نَصِيبِهِ وَكَذَّبَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَمْ يَكْذِبْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ كَذَا فِي الْمُسْتَوْدَعِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْعُيُونِ رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى رَجُلٍ فَارْتَهَنَا مِنْهُ أَرْضًا بِدَيْنِهِمَا وَقَبَضَاهَا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا إنَّ الْمَالَ الَّذِي لَنَا عَلَى فُلَانٍ بَاطِلٌ وَالْأَرْضَ فِي أَيْدِينَا تَلْجِئَةً، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَطَلَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا وَلَكِنَّ الرَّهْنَ بِهِمَا وَاحِدٌ، فَإِذَا اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا بِبُطْلَانِ الدَّيْنِ وَالرَّهْنِ بَطَلَ الرَّهْنُ أَصْلًا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَبْرَأُ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ مُخْتَلِفَانِ وَالرَّهْنُ إنَّمَا يَصِحُّ بِهِمَا حَقًّا لَهُمَا فَإِقْرَارُهُ يَصِحُّ مُبْطِلًا لِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ شَرِيكِهِ فَبَطَلَ حَقُّ الْمُقِرِّ فِي الدَّيْنِ وَالرَّهْنِ وَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِيهِمَا عَلَى حَالِهِ الْجَامِعُ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ دَيْنٌ عَلَى أَحَدِهِمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَى الْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَرَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ وَهَلَكَ الْعَبْدُ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوفِيًا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ دَيْنِهِ وَيَرْجِعُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ عَلَى الْآخَرِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْآخَرُ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا تَصِحُّ الْمُقَاصَّةُ إلَّا بِرِضَاهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَالرَّهْنُ أَلْفَانِ، فَإِذَا هَلَكَ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ قِيمَتِهِ وَذَلِكَ أَلْفَانِ وَبَقِيَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَلْفَانِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدَّيْنِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْهَلَاكِ قَابِضًا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ دَيْنِهِ وَذَلِكَ ثَمَانِمِائَةٍ نِصْفُهُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَنِصْفُهُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاهِنَيْنِ صَارَ رَاهِنًا جَمِيعَ الْعَبْدِ بِدَيْنِهِ فَصَارَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ قَاضِيًا ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نِصْفُهَا مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا قُضِيَ عَلَيْهِ وَالْمُقَاصَّةُ لَا تَصِحُّ مِنْ الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ إلَّا أَنْ يَتَقَاصَّا وَيَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ عَلَى أَحَدِهِمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَعَلَى الْآخَرِ أَلْفٌ وَعَلَى الثَّالِثِ خَمْسُمِائَةٍ فَرَهَنُوا بِذَلِكَ عَبْدًا بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاضِيًا ثُلُثَيْ دَيْنِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ ثُلُثُهُ إلَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ قَاضِيًا ثُلُثَيْ دَيْنِهِ ثُلُثُ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ وَثُلُثُهُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَيَرْجِعَانِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا قَضَى دَيْنَهُ مِنْ نَصِيبِهِمَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَضْمُونُ عَلَى حِصَّةِ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّجَزِّي، قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الَّذِي اسْتَوْفَى حَقَّهُ انْتَهَى مَقْصُودُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةً إلَى الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِالِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْآخَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نِيَابَةٍ عَنْ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَرِدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ إلَى الْأَوَّلِ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لَكِنَّهُ يَسْتَرِدُّهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ارْتِهَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مِنْ نِصْفِ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ فِيهِ وَفَاءً بِدَيْنِهِمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَابِضَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَهُ ثَانِيًا اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَالْكُلُّ رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ) وَكَانَ كُلُّهُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ اسْتِرْدَادُ شَيْءٍ مِنْهُ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بَاقِيًا كَمَا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَاحِدًا وَكَالْبَائِعِ إذَا أَدَّى حِصَّةَ بَعْضِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا رَهَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>