الْآبِقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ، وَإِذَا زَالَ مِلْكُ الرَّاهِنِ عَنْ رَقَبَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ كَإِعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَدِ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأَعْلَى فَالْأَدْنَى أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَهُ وَلَا يَلْزَمُنَا إعْتَاقُ الْوَارِثِ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَنْفُذُ مَعَ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَعْتِقُ عِنْدَ الثَّانِي. وَالثَّالِثِ فِي الْحَالِ.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ يُؤَخَّرُ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَمْ يَكُنْ إعْتَاقُهُ لَغْوًا وَهُوَ هَاهُنَا جَعَلَهُ لَغْوًا وَلَا يُقَالُ الْمَرْهُونُ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَتْلَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ فَكَذَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إذَا أَتْلَفَ الْمَالِيَّةَ الْمَشْغُولَةَ بِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَالْمَوْلَى يُتْلِفُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَنَفَذَ تَدْبِيرُهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ نَفَاذُ التَّدْبِيرِ مِنْ الرَّاهِنِ وَالتَّدْبِيرُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الِاسْتِيلَادِ عُلِمَ نَفَاذُ الِاسْتِيلَادِ وَالْإِعْتَاقِ مِنْ بَابِ أَوْلَى قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إعْتَاقُ الرَّاهِنِ وَتَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ يَنْفُذُ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَالُ حَالًّا اقْتَضَاهُ مِنْ الْقِيمَةِ.
وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَلِلرَّاهِنِ اسْتِسْعَاءُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ وَالْمُعْتَقُ فِي قِيمَتِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعْتَقُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمَوْلَى.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُولِبَ بِدَيْنِهِ لَوْ حَالًّا) يَعْنِي إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا طَالَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا طُولِبَ بِالرَّهْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِدَيْنِهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَيَكُونُ إيفَاءً وَاسْتِيفَاءً فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُؤَجَّلًا أُخِذَ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَتُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ تَحَقَّقَ، وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ وَهِيَ حُصُولُ الِاسْتِيثَاقِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَيَحْبِسُهَا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِذَا حَلَّ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ بِجِنْسِهِ؛ لِأَنَّ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُعْتِقِ لِعُسْرَتِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهَذَا الْعِتْقِ كَمَا فِي عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْخَرَاجِ وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْمَنْقُولُ فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ قَالَ فِي الْجَامِعِ أَصْلُهُ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ وَهُوَ مُعْسِرٌ يُنْظَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إلَى قِيمَتِهِ يَوْمِ الْعِتْقِ وَإِلَى مَا كَانَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَإِلَى مَا كَانَ مَحْبُوسًا بِهِ، فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا الْقِيمَةُ فَلِأَنَّهُ أَحْبَسَ بِالْعِتْقِ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ هَذَا الْقَدْرَ فَلَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ إلَّا فِي هَذَا الْقَدْرِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ وَأَمَّا الْمَضْمُونُ بِالدَّيْنِ إذَا كَانَ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَضْمُونٌ بِقَدْرِ الدَّيْنِ بِالْعِتْقِ وَمَا يَحْدُثُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ تَصِرْ مَضْمُونَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِالدَّيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْبُوسُ أَقَلَّ مِنْ الْمَضْمُونِ وَمِنْ قِيمَتِهِ يَسْعَى بِقَدْرِهِ بِأَنْ رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَأَدَّى الرَّاهِنُ تِسْعَمِائَةٍ مِنْ الرَّهْنِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي مِائَةٍ، فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا بِأَلْفٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِمِائَةٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْتَكَّ بِقَدْرِ مِائَةٍ فَكَانَ الْعَبْدُ مَضْمُونًا بِمِائَةٍ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ حَالَةِ الْإِعْتَاقِ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَصَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي خَمْسِمِائَةٍ لَا غَيْرُ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ الْأَلْفَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ هُنَا أَقَلُّ مِنْ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ خَمْسُمِائَةٍ وَالْعَبْدُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ بِأَلْفٍ، فَإِذَا اُنْتُقِصَ سِعْرُهُ وَهُوَ مَحْبُوسٌ بِأَلْفٍ، فَإِنَّ الرَّاهِنَ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْأَلْفَ لَمْ يَفْتَكَّ الرَّهْنَ، ثُمَّ يَقْضِي بِالسِّعَايَةِ الدَّيْنَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ صَرَفَهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا جُعِلَتْ السِّعَايَةُ رَهْنًا، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قُضِيَ بِهِ الدَّيْنُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ مَكَانَ الْإِعْتَاقِ تَدْبِيرٌ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْإِعْتَاقِ إلَّا فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِي فَصْلِ الْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ الرَّاهِنُ مُوسِرًا فَالْعَبْدُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute