دَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إذَا حَفَرَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ، ثُمَّ تَلِفَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ فَالْحُكْمُ كَمَا وَصَفّنَا فَكَذَا هَذَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ أُخْرَى قِيمَتُهَا أَلْفٌ شَارَكَ صَاحِبَ الدَّابَّةِ الْأُولَى وَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتْلِفًا الدَّابَّتَيْنِ بِالْحَفْرِ مِنْ وَقْتِ تَسَبَّبَا؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ سِوَى الْحَفْرِ فَكَانَ سَبَبُ تَلَفِ الدَّابَّتَيْنِ الْحَفْرَ فَصَارَ مُتْلِفًا الدَّابَّتَيْنِ مَعًا فَصَارَتْ قِيمَتُهُمَا دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ وَاكْتِسَابَهُ وَمَا أَخَذَهُ الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَيْسَ ثَمَنَ الْعَبْدِ وَلَا كَسْبَهُ. وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَ فِيهَا إنْسَانٌ فَدَفَعَ الْعَبْدَ بِهِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَلِفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا الدَّيْنَ مِنْ وَقْتِ الرَّهْنِ اسْتَوْفَى مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ أَحَدِ الدِّيَتَيْنِ، فَإِنْ تَلِفَ فِيهَا إنْسَانٌ آخَرُ بَعْدَمَا دَفَعَ الْعَبْدَ فَوَلَّى الثَّانِي يُشَارِكُ الْأَوَّلُ فِي الْعَبْدِ لِمَا بَيَّنَّا، فَإِذَا وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ فَبِيعَ الْعَبْدُ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ إلَى صَاحِبِهَا، ثُمَّ وَقَعَ إنْسَانٌ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُنْقَضَ الْبَيْعُ، ثُمَّ يُدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعَ بِدَيْنِ الْعَبْدِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ إنْ نُقِضَ الْبَيْعُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّا لَوْ نَقَضْنَاهُ احْتَجْنَا إلَى إعَادَةِ مِثْلِهِ ثَانِيًا فَيَكُونُ اشْتِغَالًا مِنْ الْقَاضِي بِمَا لَا يُفِيدُ وَالْقَاضِي لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُفِيدُ. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِيهَا آدَمِيٌّ وَمَاتَ فَدُفِعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ فَيُقَالُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ إمَّا أَنْ تَبِيعَ الْعَبْدَ أَوْ تَقْضِيَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ اسْتَنَدَتَا إلَى وَقْتِ الْحَفْرِ فَكَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا فَيُدْفَعُ الْعَبْدُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ فَكَذَا هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَوَّلًا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى إمَّا أَنْ تَكُونَ جِنَايَتُهُ عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَالِ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى آدَمِيٍّ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ فَمَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِدَفْعِ أَرْشِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَ جِنَايَتِهِ عَلَى آدَمِيٍّ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْمَالِ فَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، وَفِي جِنَايَتِهِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الْبَيْعِ وَدَفْعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ فِدَائِهِ فَفِي حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ مَثَلًا إذَا وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ مَثَلًا فَتَلِفَتْ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ فِي الْجِنَايَةِ لِرَبِّ الدَّابَّةِ، ثُمَّ تَلِفَتْ فِيهَا دَابَّةٌ أُخْرَى يَتْبَعُ رَبُّ الدَّابَّةِ الثَّانِيَةِ رَبَّ الدَّابَّةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمَّا بَاعَهُ وَدَفَعَ ثَمَنَهُ فَقَدْ فَعَلَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَخَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ فَلَمَّا وَقَعَ الْآدَمِيُّ ثَانِيًا فَقَدْ هَدَرَ دَمُهُ لِتَعَذُّرِ الطَّلَبِ عَلَى الْمَالِكِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعُهْدَةِ وَثَمَنُهُ قَامَ مَقَامَ مُخَلِّصِ الْعَبْدِ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَمَّا دَفَعَهُ بِعَيْنِهِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ آخَرُ وَالْعَبْدُ بِعَيْنِهِ بَاقٍ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، وَقَدْ تَجَدَّدَ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ بِوُقُوعِ الثَّانِي فِيهِ وَتَلِفَ بِسَبَبِ حَفْرِهِ السَّابِقِ، وَقَدْ دَفَعَ بِعَيْنِهِ لِلْأَوَّلِ فَيُخَاطَبُ مَالِكُهُ، وَفِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِمَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الدَّافِعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَيَتَّجِهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ اسْتَنَدَتَا إلَى وَقْتِ الْحَفْرِ إلَى آخِرِهِ هَذَا،.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُهْدَرُ دَمُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْحَفْرِ لَوْ حَفَرَ عَبْدٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَأَعْتَقَ فَأُوقِعَ فِيهِ رَجُلٌ فَمَاتَ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِجِنَايَتِهِ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ اشْتَرَكَا فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ أَتْلَفَ رَقَبَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا الْعَبْدُ نَفْسُهُ فَوَارِثُهُ يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِي مِلْكِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ ظَهَرَ فِي تِلْكَ الْجِنَايَةِ وَصَارَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ دَمَهُ هَدَرٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ أَعْتَقَ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَجَانٍ عَلَى نَفْسِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَرَثَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ ظَهَرَ مِنْ الْجِنَايَةِ عَبْدَانِ حَفَرَا بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا عَبْدُ الرَّهْنِ فَدُفِعَا بِهِ، ثُمَّ وَقَعَ أَحَدُهُمَا فِيهَا فَمَاتَ بَطَلَ نِصْفُ الدَّيْنِ وَهَدَرَ دَمُهُ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ وَأَخَذَا حُكْمَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ وَقَعَ الْعَبْدُ الْأَوَّلُ فِي الْبِئْرِ وَذَهَبَ نِصْفُهُ بِأَنْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ وَسَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ فَكَذَا هَذَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَالِهِمَا هَدَرٌ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الرَّهْنِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ أَوْ فِي مَالِهِ هَدَرٌ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الرَّاهِنِ الْمُوجِبَةَ لِلْقِصَاصِ مُعْتَبَرَةٌ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ فِيمَا تُوجِبُهُ وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي النَّفْسِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ مُعْتَبَرَةٌ.
وَمَحِلُّ كَوْنِهَا هَدَرًا فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ لَا فَضْلَ فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ قَالَ الشَّارِحُ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَالْمُرَادُ جِنَايَةٌ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُهُ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute