للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاتِلِ، وَهُوَ دَعْوَى الْخَطَأِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ صَوْنًا لِدَمِهِ عَنْ الْهَدَرِ؛ وَلِأَنَّ فِي زَعْمِ الْوَلِيِّ أَنَّ الْقِصَاصَ هُوَ الْوَاجِبُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمَالِ، وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُ الْقِصَاصِ وَأَخْذُ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ صَرِيحًا فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالْعَمْدِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ بَطَلَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ الزِّيَادَاتُ، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْعَمْدَ عَلَى رَجُلَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا قَطَعْت يَدَهُ عَمْدًا، وَهَذَا الْآخَرُ قَطَعَ رِجْلَهُ عَمْدًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ الْجِنَايَةَ قَالَ يُقْتَصُّ مِنْ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ وَلَمْ تَتَمَكَّنْ الشُّبْهَةُ فِيهِ حِينَ أَنْكَرَ الْآخَرُ الْجِنَايَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الشُّبْهَةُ إنَّمَا يَكُونُ بِاخْتِلَاطِ الْمُوجَبِ وَغَيْرِ الْمُوجَبِ فِي الْمَحَلِّ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ وُجُوبِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْآخَرِ وَإِذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ الْآخَرُ الْجِنَايَةَ صَارَ كَالْعَدَمِ، فَبَطَلَ دَعْوَاهُ الْخَطَأَ وَإِقْرَارُ الْقَاتِلِ بِالْعَمْدِ فِي هَذَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ.

وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ فَقَالَ رَجُلٌ: قَطَعْت يَدَهُ عَمْدًا وَقَالَ قَطَعَ عَمْرٌو رِجْلَهُ عَمْدًا فَقَالَ الْوَلِيُّ: بَلْ أَنْت قَطَعْتهمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالشَّرِكَةُ لَمْ تَثْبُتْ لِعَدَمِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ قَالَ الْوَلِيُّ: لَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ رِجْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى قَاطِعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ قَاطِعَ الرِّجْلِ مَجْهُولٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَاطِئًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَتَعَذُّرُ إيجَابِ الْقِصَاصِ وَتَعَذُّرُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، فَإِنْ جُهِلَ قَاطِعُ الرِّجْلِ جُهِلَ قَاطِعُ الْيَدِ فَلَا يَجِبُ الْمَالُ، وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ فُلَانٌ قَطَعَ رِجْلَهُ عَمْدًا وَأَنْكَرَ فُلَانٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ قِيَاسًا، وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعْرِفُ قَاتِلَ أَبِيهِ عِنْدَ كَثْرَتِهِمْ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ وَعَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِمَنْ الَّتِي لَفْظُهَا مُفْرَدٌ وَمَعْنَاهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ مُفْرَدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ ضَمِنَ الْقَاطِعُ الدِّيَةَ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ لَا فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ) يَعْنِي لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَقَالَ الْمَقْطُوعُ عَفَوْت عَنْ الْقَطْعِ، فَمَاتَ ضَمِنَ الْقَاطِعُ فِي الْعَمْدِ الدِّيَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَطْلَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِهِ وَالْخَطَأُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْعَافِي يَخْرُجُ وَيَجِيءُ أَوْ كَانَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يَجِيءُ سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

وَقَوْلُهُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ظُلْمًا عَمْدًا، فَعَفَا الْمَقْطُوعُ يَدُهُ عَنْ الْقَطْعِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ أَوْ شَجَّ إنْسَانٌ مُوضِحَةً عَمْدًا فَعَفَا الْمَشْجُوجُ رَأْسُهُ عَنْ الشَّجَّةِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي الْعَمْدِ، وَالْأُخْرَى فِي الْخَطَأِ، وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ عَفَوْتُك عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ يَقُولَ عَفَوْتُك عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَقَالَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ أَوْ قَالَ الْمَشْجُوجَةُ رَأْسُهُ عَفَوْتُك عَنْ الْجِنَايَةِ صَحَّ الْعَفْوُ وَبَرِئَ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ الشَّجَّةِ أَوْ مَاتَ حَتَّى لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْحَالَيْنِ ثُمَّ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ عَنْ جَمِيعِ الْمَالِ سَوَاءٌ بَرِئَ أَوْ مَاتَ، وَإِنْ قَالَ عَفَوْتُك عَنْ الْقَطْعِ، وَلَمْ يَقُلْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْ الْقَطْعِ أَوْ قَالَ عَفَوْتُك عَنْ الشَّجَّةِ وَلَمْ يَقُلْ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا صَحَّ الْعَفْوُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، فَلَوْ مَاتَ تَجِبُ الدِّيَةُ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَعَ أَنَّ الْعَفْوَ بَاطِلٌ، وَالْقِصَاصُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الْقِصَاصُ إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ جَائِزٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ لَا الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، فَإِذَا كَانَتْ خَطَأً إنْ عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ صَحَّ الْعَفْوُ سَوَاءٌ بَرِئَ وَمَاتَ إلَّا أَنَّهُ إنْ عَفَا فِي حَالٍ يَخْرُجُ وَيَجِيءُ وَيَذْهَبُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَإِنْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ إنْ اقْتَصَرَ عَنْ الْقَطْعِ إنْ بَرِئَ صَحَّ الْعَفْوُ بِلَا خِلَافٍ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ صَارَ قَاتِلًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَفْوُ بَاطِلٌ، وَكَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَعِنْدَهُمَا الْعَفْوُ جَائِزٌ كَمَا لَوْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَعَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ عَفَا فِي حَالَةِ حُكْمِ الصِّحَّةِ بِأَنْ كَانَ يَذْهَبُ، وَيَجِيءُ يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَعَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَإِنْ عَفَا فِي حَالِ حُكْمِ الْمَرَضِ بِأَنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَاطِعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ كَانَ عَفْوًا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى إذَا مَاتَ سَقَطَ كُلُّ الدِّيَةِ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>