للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا اصْطَلَحَا بَعْدَ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا أَمَّا إذَا اصْطَلَحَا قَبْلَ الْقَضَاءِ إنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ جَرَحَهُ رَجُلَانِ جِرَاحَةً عَمْدًا فَقَضَى بِالْقِصَاصِ عَلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ قَالَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقْتُلُوا الْآخَرَ.

وَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً عَمْدًا وَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ جَرَحَهُ آخَرُ عَمْدًا فَلَمْ يَعْفُ حَتَّى مَاتَ مِنْهُمَا فَلَا قَوَدَ عَلَى الثَّانِي وَسُئِلَ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَانُوا يَرْمُونَ عَلَى كُلِّ كَلْبٍ عَقُورٍ فَأَخْطَأَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَأَصَابَ صَغِيرَةً فَمَاتَتْ وَعُرِفَ أَنَّ هَذَا سَهْمُ فُلَانٍ وَلَكِنْ لَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ أَنَّهُ رَمَاهُ فُلَانٌ فَصَالَحَ صَاحِبُ السَّهْمِ عَلَى كَرْمٍ ثُمَّ طَلَبَ الْمُصَالِحُ رَدَّ الصُّلْحِ قَالَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُصَالِحَ هُوَ الَّذِي جَرَحَهَا وَأَنَّ الصَّبِيَّةَ مَاتَتْ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَالصُّلْحُ مَاضٍ، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْجَارِحَ صَاحِبُ السَّهْمِ وَلَكِنْ اسْتَغَاثَتْ الصَّغِيرَةُ بِأَبِيهَا فَلَطَمَهَا أَبُوهَا فَسَقَطَتْ وَمَاتَتْ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ اللَّطْمَةِ أَوْ مِنْ الرَّمْيِ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ مِنْ الْأَبِ بِإِذْنِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَالْبَدَلُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ وَلَا مِيرَاثَ لِلْأَبِ، وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ قَالَ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ قَلْعِ سِنِّ صَبِيٍّ أَوْ حَلْقِ رَأْسِ امْرَأَةٍ فَصَالَحَ الْجَانِي أَبَا الصَّبِيِّ أَوْ الْمَرْأَةِ عَلَى دَرَاهِمَ وَنَبَتَ الشَّعْرُ أَوْ السِّنُّ فَأَخْبَرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرُدُّ الدَّرَاهِمَ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَقُولُ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هَذَا كَسَرَ يَدَهُ فَصَالَحَهُ عَنْهَا ثُمَّ جَبَرَا وَصَحَّتْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ: فَإِنْ زَعَمَ صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّ يَدَهُ قَدْ ضَعُفَتْ، وَلَيْسَتْ كَمَا كَانَتْ قَالَ أُمِرَ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْفَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ فَمَاتَ مِنْهُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مَهْرًا، وَهُوَ لَا يَصِيرُ مَهْرًا فَسَقَطَ أَصْلًا فَصَارَ كَمَا إذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَصِيرَ مَالًا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مَجَّانًا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ خَطَأً رُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَهُمْ ثُلُثُ مَا تَرَكَ وَصِيَّةً) ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ تَزَوُّجٌ عَلَى مُوجَبِهَا وَمُوجَبُهَا هُنَا الدِّيَةُ، وَهِيَ تَصْلُحُ مَهْرًا فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُقَدِّرُ مَهْرَ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُحَابَاةٌ وَالْمَرِيضُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَنْفُذُ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَقَدْ صَارَتْ مَهْرًا فَيَسْقُطُ كُلُّهَا عَنْهُمْ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا، فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ أَصْلًا فَلَا يَغْرَمُونَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ سَقَطَ عَنْهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّتُهُ لَهُمْ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَجَانِبُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الزِّيَادَةَ إلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا نَفَاذَ لَهَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ قِيلَ لَا يَسْقُطُ قَدْرُ نَصِيبِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِمَنْ تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ فَهُوَ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا تَكُونُ لِلْحَيِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ نَصِيبُهُ لَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ فَيَنْقَسِمُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ أَيْضًا ثُمَّ هَكَذَا،.

وَهَكَذَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ فَلَوْ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ فِي صِحَّتِهِ ابْتِدَاءً لَزِمَنَا تَصْحِيحُهَا انْتِهَاءً فَصَحَّحْنَاهَا ابْتِدَاءً قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْيَدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ عَفْوٌ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فَصَارَ الْجَوَابُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدًا أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا وَلِلْعَاقِلَةِ ثُلُثُ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ وَصِيَّةً فَيَشْمَلُ الدِّيَةَ وَغَيْرَهَا، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ، وَلَوْ خَطَأً دَفَعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرَ مِثْلِهَا وَالْبَاقِي وَصِيَّةٌ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ وَإِلَّا فَثُلُثُ الْمَالِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ رُفِعَ إلَى آخِرِهِ، فَأَفَادَ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ أَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَاقْتُصَّ لَهُ فَمَاتَ الْأَوَّلُ قُتِلَ بِهِ) يَعْنِي رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فَاقْتُصَّ لَهُ فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ قُتِلَ الْمَقْطُوعُ الثَّانِي بِهِ، وَهُوَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلًا عَمْدًا مِنْ الْأَوَّلِ وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إذَا قَطَعَ طَرَفَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ثُمَّ قَتَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْإِسَاءَةِ فَإِذَا بَقِيَ لَهُ فِيهِ الْقِصَاصُ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْقَطْعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَبْرَأهُ عَنْ غَيْرِهِ قُلْنَا إنَّمَا قَدَّمَ عَلَيْهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَقُّهُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>