مَحْقُونَ الدَّمِ مَضْمُونًا عَنْ الْهَدَرِ فَيَجِبُ صَوْنُ حَقِّهِ عَنْ الْبُطْلَانِ.
وَأَمَّا الْخَامِسُ وَهُوَ فَائِدَتُهَا فَهُوَ دَفْعُ الْفَسَادِ وَإِطْفَاءُ نَارِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ.
وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ الْأَدَاءُ وَالْإِيتَاءُ وَأَمَّا شَرْطُ وُجُوبِهَا فَكَوْنُ الْمَقْتُولِ مَعْصُومَ الدَّمِ مُتَقَوِّمًا بِعِصْمَةِ الدَّارِ وَمَنَعَةِ الْإِسْلَامِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا فَقُتِلَ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ.
وَأَمَّا حُكْمُهَا فَتَمْحِيضُ ذَنْبِ التَّقْصِيرِ بِالتَّكْفِيرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ الدِّيَةِ وَكَيْفِيَّةِ مِقْدَارِهَا أَمَّا كَيْفِيَّةُ وُجُوبِ الدِّيَةِ فَفِي نَفْسِ الْحُرِّ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ يَسْتَوِي فِيهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْوَضِيعُ وَالشَّرِيفُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَفِي الْمَجُوسِ ثَمَانُمِائَةٍ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِدِيَةِ الْمُسْتَأْمَنِينَ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عُمَرُ وَابْنُ أَبِي أُمَيَّةَ كَدِيَةِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ» وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ بِمِثْلِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْعِصْمَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَنَقْصُ الْكُفْرِ يُؤَثِّرُ فِي أَحْكَامِ الْعَقَائِدِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الدِّيَةِ قَالَ فِي الْكَافِي الدِّيَةُ الْمَالُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ. اهـ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ مُخْتَصَّةً بِمَا هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَيُنَافِيهِ مَا سَيَجِيءُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مِنْ أَنَّ فِي الْمَارِنِ الدِّيَةَ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّحْيَةِ الدِّيَةُ وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ الدِّيَةُ وَفِي الْحَاجِبَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي أُطْلِقَتْ الدِّيَةُ فِيهَا عَلَى مَا هُوَ بَدَلُ مَا دُونَ النَّفْسِ وَكَذَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي النَّفْسِ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ» وَهَكَذَا هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا سَيَأْتِي فَالْأَظْهَرُ فِي تَفْسِيرِ الدِّيَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ آخِرًا فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمُغْرِبِ وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ قَالَ وَالدِّيَةُ اسْمٌ لِضَمَانٍ يَجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيِّ أَوْ طَرَفٍ مِنْهُ سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّهُ يُؤَدَّى عَادَةً لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ لِعِظَمِ حُرْمَةِ الْآدَمِيِّ. اهـ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفِقْهِ بَيَانَ الْأَحْكَامِ لَا بَيَانَ الْحَقَائِقِ تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ بَيَانَ الْحَقِيقَةِ وَشَرَعَ يُبَيِّنُ أَنْوَاعَهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَى جَذَعَةٍ) يَعْنِي خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ الْخَطَإِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا ثَنِيَّةً إلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ» وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِيهِ وَاجِبٌ لِشِبْهِهِ بِالْعَمْدِ وَمَعْنَى التَّغْلِيظِ يَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ شَيْءٍ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ وَلَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَطَأَ لِأَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ أَخْمَاسًا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شِبْهُ الْعَمْدِ ولِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرٌ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ فَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّهَا أَرْبَاعٌ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا أَثْلَاثٌ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَتَغَلَّظُ الدِّيَةُ إلَّا فِي الْإِبِلِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمُقَدَّرَاتُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا فَلَمْ تَتَغَلَّظْ بِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ بِالتَّقْدِيرِ بِغَيْرِ الْإِبِلِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا) أَيْ دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ إلَخْ أَيْ عِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَخْمَاسًا يَكُونُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ عِشْرِينَ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِمَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ عِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَ مَخَاضٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute