للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَخَلُّلِ بُرْءٍ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَامِلَةٌ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَطَعَ الذَّكَرَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ فِي الْحَشَفَةِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْبَاقِي، وَإِذَا قُطِعَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الرَّجُلِ الصَّحِيحِ خَطَأً إنْ بَدَأَ بِقَطْعِ الذَّكَرِ فَفِيهِ دِيَتَانِ وَفِي التَّجْرِيدِ وَكَذَا إذَا قَطَعَهُمَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ مَعًا فَفِيهِ دِيَتَانِ وَفِي التُّحْفَةِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ إذَا قَطَعَهُمَا مَعَ الذَّكَرِ جُمْلَةً مَرَّةً وَاحِدَةً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ دِيَةٌ بِإِزَاءِ الذَّكَرِ وَدِيَةٌ بِإِزَاءِ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ قُطِعَ الذَّكَرُ أَوَّلًا ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ دِيَتَانِ أَيْضًا لِأَنَّ بِقَطْعِ الذَّكَرِ تَفُوتُ مَنْفَعَةُ الْأُنْثَيَيْنِ وَهِيَ إمْسَاكُ الْمَنِيِّ فَأَمَّا إذَا قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الذَّكَرَ تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَجِبُ بِقَطْعِ الذَّكَرِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ إذَا قَطَعَهُمَا خَطَأً كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَطَعَ إحْدَى أُنْثَيَيْهِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ دِيَةٌ وَنِصْفٌ وَلَا يُعْلَمُ ذَهَابُ الْمَاءِ إلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي.

فَإِنْ قَطَعَ الْبَاقِيَ مِنْ إحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِمَا الْقِصَاصُ حَالَةَ الْعَمْدِ، وَإِنْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ كُلَّهَا عَمْدًا فَفِيهَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ كُلَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهِ وَصَارَ كَاللِّسَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ) يَعْنِي تَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ بِذَهَابِهِ تَذْهَبُ مَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِأَنَّ أَفْعَالَ الْمَجْنُونِ تَجْرِي مَجْرَى أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ.

وَأَمَّا السَّمْعُ فَلِأَنَّهُ بِفَوَاتِهِ يَفُوتُ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الِاسْتِمَاعِ، وَأَمَّا الشَّمُّ فَلِأَنَّ بِفَوَاتِهِ يَفُوتُ إدْرَاكُ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ وَالْخَبِيثَةِ، وَأَمَّا الذَّوْقُ فَلِأَنَّ بِفَوَاتِهِ يَفُوتُ إدْرَاكُ الْحَلَاوَةِ وَالْمَرَارَةِ وَالْحُمُوضَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ ذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُعْرَفُ الذَّهَابُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقِيلَ ذَهَابُ الْبَصَرِ تَعْرِفُهُ الْأَطِبَّاءُ فَيَكُونُ فِيهِ قَوْلُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ حُجَّةٌ فِيهِ وَقِيلَ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الشَّمْسَ مَفْتُوحَ الْعَيْنَيْنِ، فَإِذَا دَمَعَتْ عَيْنُهُ عَلِمَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ يُلْقِي بَيْنَ يَدَيْهِ حَيَّةً، فَإِنْ هَرَبَ مِنْهَا عُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَذْهَبْ، وَإِنْ لَمْ يَهْرُبْ فَهِيَ ذَاهِبَةٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يُغَافَلَ ثُمَّ يُنَادَى، فَإِنْ أَجَابَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ وَإِلَّا فَهُوَ ذَاهِبٌ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَسْمَعُ وَتَطَارَشَتْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فَجْأَةً غَطِّي عَوْرَتَك فَاضْطَرَبَتْ وَتَسَارَعَتْ إلَى جَمْعِ ثِيَابِهَا فَظَهَرَ كَذِبُهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاللِّحْيَةُ إنْ لَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَجْفَانِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا رُبْعُ الدِّيَةِ) يَعْنِي إذَا حَلَقَ اللِّحْيَةَ أَوْ شَعْرَ الرَّأْسِ وَلَمْ يَنْبُتْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّهُ أَزَالَ جَمَالًا عَلَى الْكَمَالِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْآدَمِيِّ وَلِهَذَا يَنْمُو بَعْدَ كَمَالِ الْخِلْقَةِ وَلِهَذَا تُحْلَقُ الرَّأْسُ وَاللِّحْيَةُ وَبَعْضُهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الدِّيَةُ كَشَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ إذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْفَعَةٌ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ فِي شَعْرِ الْعَبِيدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرَّأْسِ إذَا حُلِقَ وَلَمْ يَنْبُتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَالْمَوْقُوفُ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَقَادِيرِ فَلَا يُهْتَدَى إلَيْهِ بِالرَّأْيِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ فِي أَوَانِهَا جَمَالٌ فَيَلْزَمُهُ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ جَمَالٌ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَسْبِيحُهُمْ سُبْحَانَ مَنْ زَيَّنَ الرِّجَالَ بِاللِّحَاءِ وَالنِّسَاءَ بِالْقُدُودِ وَالذَّوَائِبِ» بِخِلَافِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَمَالُ، وَأَمَّا شَعْرُ الْعَبْدِ فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْجَوَابُ عَنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ دُونَ الْجَمَالِ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِالْحَلْقِ بِخِلَافِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ الْجَمَالُ فَيَجِبُ بِفَوَاتِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي الشَّارِبِ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْحَيَّةِ فَصَارَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَلَيْسَ فِي حَلْقِهَا شَيْءٌ لِأَنَّ وُجُودَهَا يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ.

وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الْجَمَالِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>