الْمَاشِي إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْبِئْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاشِي دَافِعًا نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ وَأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَالْحَافِرُ مُتَسَبِّبٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ لَمْ يَضَعْهُ أَحَدٌ لَكِنَّهُ حَمِيلُ السَّيْلِ جَاءَ بِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَزَلَقَ بِمَاءٍ صَبَّهُ رَجُلٌ آخَرُ عَلَى الطَّرِيقِ وَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَمَاتَ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي صَبَّ الْمَاءَ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَاءَ السَّمَاءِ فَعَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ.
وَإِذَا حَفَرَ الرَّجُلُ بِئْرًا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فِي الْفَيَافِيِ وَالْمَفَازَاتِ فِي غَيْرِ مَمَرِّ النَّاسِ فَوَقَعَ فِيهِ إنْسَانٌ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ لَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا، فَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَوَقَعَ إنْسَانٌ فَسَلِمَ مِنْ الْوَقْعَةِ وَطَلَبَ الْخُرُوجَ مِنْهَا فَتَعَلَّقَ حَتَّى إذَا كَانَ فِي وَسَطِهَا سَقَطَ وَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ مَشَى فِي أَسْفَلِهَا فَعَطِبَ بِصَخْرَةٍ فِيهَا فَإِنْ كَانَتْ الصَّخْرَةُ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْبِئْرِ قَلَعَهَا مِنْ مَوْضِعِهَا وَوَضَعَهَا فِي نَاحِيَةِ الْبِئْرِ فَعَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَإِذَا حَفَرَ الرَّجُلُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ فِيهِ رَجُلٌ فَتَعَلَّقَ بِهِ آخَرُ وَتَعَلَّقَ الثَّانِي بِثَالِثٍ وَسَقَطُوا جَمِيعًا وَمَاتُوا جَمِيعًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ مَاتُوا مِنْ وُقُوعِهِمْ وَلَمْ يَقَعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ مِنْ وُقُوعِهِمْ وَوَقَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ عُلِمَ كَيْفِيَّةُ الْمَوْتِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ مَاتُوا، فَإِنْ مَاتُوا مِنْ وُقُوعِهِمْ وَلَمْ يَقَعْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَدِيَةُ الْأَوَّلِ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُبَاشِرٌ وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي، وَإِذَا خَرَجُوا أَحْيَاءَ وَأَخْبَرُوا عَنْ حَالِهِمْ ثُمَّ مَاتُوا فَمَوْتُ الْأَوَّلِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا إنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِهِ لَا غَيْرُ فَدِيَتُهُ عَلَى الْحَافِرِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ فَدِيَتُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ بِجَرِّهِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَدِيَتُهُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ جَرَّ الثَّالِثَ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَنِصْفُ دِيَتِهِ هَدَرٌ وَنِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِهِ وَوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَالنِّصْفُ عَلَى الْحَافِرِ وَالنِّصْفُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِهِ وَوُقُوعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَالثُّلُثُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ بِجَرِّ الثَّانِي عَلَيْهِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ وَالثُّلُثُ عَلَى الثَّانِي بِجَرِّ الثَّالِثِ مُبَاشَرَةً، وَأَمَّا الْحُكْمُ فِي الثَّانِي، فَإِنْ مَاتَ بِوُقُوعِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ فَدِيَتُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ جَرَّهُ إلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ فَدِيَتُهُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالدَّافِعِ لِلثَّانِي فِي الْبِئْرِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ وُقُوعِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مَعًا فَنِصْفُ دِيَتِهِ هَدَرٌ لِجَرِّهِ الثَّالِثَ إلَى نَفْسِهِ وَنِصْفُهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ لِجَرِّ الْأَوَّلِ لَهُ وَإِيقَاعِهِ فِي الْبِئْرِ،.
وَأَمَّا دِيَةُ الثَّالِثِ فَعَلَى الثَّانِي لِجَرِّ الثَّانِي لَهُ هَذَا إذَا كَانَ يُدْرَى حَالُ وُقُوعِهِمْ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يُدْرَى فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ وُجِدُوا مُتَفَرِّقِينَ، فَإِنْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَمْ يُبَيِّنْ مُحَمَّدٌ قَائِلَهُ فِي الْأَصْلِ وَيُقَالُ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ دِيَةَ الْأَوَّلِ أَثْلَاثًا ثُلُثٌ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ وَثُلُثٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ جَرَّ الثَّالِثَ عَلَيْهِ وَثُلُثٌ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي جَرَّ الثَّانِيَ وَدِيَةُ الثَّانِي نِصْفَانِ نِصْفٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَّهُ وَنِصْفٌ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ جَرَّ الثَّالِثَ إلَى نَفْسِهِ وَدِيَةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي عَبْدٌ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَوَقَعَ فِيهَا فَعَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا آخَرُ فَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَدْفَعَ كُلَّهُ أَوْ يَفْدِيَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفٌ؛ لِأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا فَعَفَا عَنْهُ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهَا فَحَفَرَ فِيهَا وَرَثَتُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِنُقْصَانِ الْحَفْرِ لِلْغُرَمَاءِ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي عَبْدٍ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فِي الْبِئْرِ وَمَاتَ قَالَ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِوَرَثَتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى أَوَّلًا ثُمَّ حَفَرَ وَوَقَعَ فِيهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى بِلَا خِلَافٍ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُكَاتَبٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ قَتَلَ إنْسَانًا فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ إنْسَانٌ وَمَاتَ قَالَ يُشَارِكُ السَّاقِطُ فِي الْبِئْرِ الَّذِي أَخَذَ الْقِيمَةَ فِيهَا قَالَ وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ قَالَ، وَإِذَا جَاءَ وَلِيُّ السَّاقِطِ فِي الْبِئْرِ فَأَخَذَ الَّذِي أَخَذَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ مِنْ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خُصُومَةٌ وَلَا أَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَى مَوْلَى الْمُدَبَّرِ، فَإِذَا زَكَّتْ كَذَا عَلَى الْمَوْلَى يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَخَذَ الْقِيمَةَ بِنِصْفِهَا وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَوْ كَانَ الْحَافِرُ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَقُضِيَ عَلَى الْمَوْلَى بِقِيمَةٍ وَاحِدَةٍ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْحَفْرِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَنُقْصَانِهَا، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَتَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحَفْرِ وَلَوْ كَانَ الْحَافِرُ عَبْدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute