للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّابَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَهَا مَالِكُهَا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا، فَإِنْ أَدْخَلَهَا هُوَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِالْإِدْخَالِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ كَمِلْكِهِ الْخَاصِّ بِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْمَسْجِدُ كَالطَّرِيقِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لِوُقُوفِ الدَّوَابِّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ وَكَذَا إيقَافُ الدَّوَابِّ فِي سُوقِ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا فِي طَرِيقٍ مُتَّسَعَةٍ لَا يَضُرُّ وُقُوفُهَا بِالنَّاسِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَّسَعَةٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ دَابَّةٌ مَرْبُوطَةٌ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَإِنْ ذَهَبَ وَحَلَّ الرِّبَاطَ فَقَدْ زَالَتْ الْجِنَايَةُ فَمَا عَطِبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ هَدَرٌ فَلَوْ جَالَتْ الدَّابَّةُ فِي رِبَاطِهَا فَمَا أَصَابَ شَيْئًا وَأَتْلَفَهُ فَهُوَ مَضْمُونٌ سَوَاءٌ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِرَأْسِهَا فَلَوْ رَبَطَهَا فِي مَكَان فَذَهَبَتْ إلَى مَكَان آخَرَ فَمَا أَصَابَتْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَهُوَ هَدَرٌ وَفِيهَا أَيْضًا الرَّاكِبُ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تَسِيرُ بِهِ فَنَخَسَهَا رَجُلٌ فَأَلْقَتْ الرَّاكِبَ إنْ كَانَ الرَّاكِبُ أَذِنَ لَهُ فِي النَّخْسِ لَا يَجِبُ عَلَى النَّاخِسِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ الدِّيَةَ، وَإِنْ ضَرَبَتْ النَّاخِسَ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَإِنْ أَصَابَتْ رَجُلًا آخَرَ بِالذَّنَبِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ كَيْفَمَا أَصَابَتْ إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا إلَّا فِي النَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ أَوْ الذَّنَبِ، فَإِنَّهُ جُبَارٌ إلَّا إذَا كَانَ الرَّاكِبُ وَاقِفًا بِغَيْرِ مِلْكِهِ فَأَمَرَ رَجُلًا فَنَخَسَهَا فَنَفَحَتْ بِرِجْلِهَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا.

وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيمَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا قَالَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ نَفَحَتْ الدَّابَّةُ إذَا ضَرَبَتْ بِحَافِرِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِثْلُ هَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَقُولُ: كَوْنُ الْمَذْكُورِ فِي الصِّحَاحِ كَذَا مَمْنُوعٌ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ كَوْنُ الضَّرْبِ بِحَدِّ الْحَافِرِ بَلْ قَالَ فِيهِ وَنَفَحَتْ النَّاقَةُ ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ إشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِمَّا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَمِمَّا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ هَاهُنَا أَنْ لَا تَكُونَ النَّفْحَةُ إلَّا بِالرِّجْلِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنَ بِالنَّفْحَةِ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ النَّفْحَةُ بِالذَّنَبِ أَيْضًا بَلْ يَلْزَمُ أَيْضًا اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِ بِرِجْلِهَا؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِالرِّجْلِ كَانَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ النَّفْحَةِ لَا يُقَالُ ذِكْرُ الرِّجْلِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَذِكْرُ الذَّنَبِ عَلَى التَّحْدِيدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اعْتِبَارُ التَّأْكِيدِ وَالتَّحْدِيدِ مَعًا بِالنَّظَرِ إلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مُتَعَذِّرٌ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ بَلْ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ أَنْ تُحْمَلَ النَّفْحَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَى مُطْلَقِ الْجَمْعِ بِطَرِيقِ عُمُومِ الْمَجَازِ فَيَصِحُّ ذِكْرُ الرِّجْلِ وَالذَّنَبِ كِلَيْهِمَا بِلَا إشْكَالٍ فَتَأَمَّلْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةٌ أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنًا لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ كَبِيرًا ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ وَالْغُبَارِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً مِنْ قِلَّةِ هِدَايَةِ الرَّاكِبِ فَيَضْمَنُ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ لَوْ عَنَّفَ الدَّابَّةَ فَأَثَارَتْ حَجَرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا يَضْمَنُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَرْبِطْهَا فَسَارَتْ إلَى مَكَان آخَرَ وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا كَذَا فِي الْكُبْرَى وَكُلُّ بَهِيمَةٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي الطَّرِيقِ فَضَرَبَهَا وَكَبَحَهَا بِاللِّجَامِ فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِذَنَبِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَا قَالُوا فِيمَنْ سَاقَ دَابَّةً عَلَيْهَا وَقْرٌ مِنْ الْحِنْطَةِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا مِنْ الطَّرِيقِ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ أَمَّا إنْ قَالَ السَّائِقُ أَوْ الْقَائِدُ أَوْ الرَّاكِبُ إلَيْك، فَإِنْ سَمِعَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَلَمْ يَذْهَبْ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إنْ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَكَانِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا آخَرَ لِيَذْهَبَ فَمَكَثَ فِي مَكَانِهِ ذَلِكَ حَتَّى تَخَرَّقَ ثِيَابُهُ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إلَيْك رَكِبَ الدَّابَّةَ ضَمِنَ وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ سَاقَ حِمَارًا عَلَيْهِ وَقْرُ حَطَبٍ فَقَالَ السَّائِقُ بِالْفَارِسِيَّةِ (كوسيت أَوْ يَرِثهُ) فَلَمْ يَسْمَعْ الْوَاقِفُ حَتَّى أَصَابَهُ الْحَطَبُ فَخَرَقَ ثَوْبَهُ أَوْ سَمِعَ لَكِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْ الطَّرِيقِ لِقِصَرِ الْمُدَّةِ ضَمِنَ، وَإِنْ سَمِعَ وَتَهَيَّأَ وَلَمْ يَنْتَقِلْ لَا يَضْمَنُ وَنَظِيرُ هَذَا مَنْ أَقَامَ حِمَارًا عَلَى الطَّرِيقِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ فَجَاءَ رَاكِبٌ وَكَرَّ شَلَّا وَخَرَقَ الثِّيَابَ إنْ كَانَ الرَّاكِبُ يُبْصِرُ الْحِمَارَ وَأَرْسُوَن يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يُبْصِرْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنُوا الثِّيَابَ عَلَى الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا رَجُلٌ جَلَسَ عَلَى الطَّرِيقِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَلَمْ يَرُدَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>