للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَإِنْ دَفَعَ بِقَضَاءٍ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا اتِّفَاقًا وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَاهُ خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتِهِ وَلَوْ جَنَى مُدَبَّرٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ سَعَى فِي قِيمَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ إذَا قَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً سَعَى فِي قِيمَتِهِ.

وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ كَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ اتِّفَاقًا وَمُدَبَّرُ ذِمِّيٍّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمُدَبَّرِ مُسْلِمٍ وَكَذَا مُدَبَّرُ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَعَهُ فَلَوْ دَبَّرَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَلَا يَغْرَمُ مَا جَنَى بَعْدَ مَا سَبَى وَيُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى حُكْمًا كَمَا يُعْتَقُ بِمَوْتِهِ حَقِيقَةً وَلَوْ جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْمُدَبَّرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْقِنِّ فَلَوْ قَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ مُدَبَّرٌ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً فَدَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَإِنْ شَاءَ الثَّانِي تَبِعَ الْأَوَّلَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مِنْ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَغْرَمُ الْمَوْلَى شَيْئًا مُدَبَّرٌ حَفَرَ بِئْرًا فَمَاتَ فِيهَا رَجُلٌ فَدَفَعَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَهِيَ أَلْفٌ بِقَضَاءٍ ثُمَّ مَاتَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَتَرَكَ أَلْفًا وَعَلَيْهِ أَلْفَانِ دَيْنًا لِرَجُلَيْنِ لِكُلٍّ أَلْفٌ وَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ آخَرُ فَمَاتَ فَالْأَلْفُ الَّذِي تَرَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى يُقْسَمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَبَيْنَ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ لِلْغُرَمَاءِ أَرْبَعَةٌ وَلَهُ سَهْمٌ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ ظَهَرَ أَنَّ نِصْفَ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ دَيْنٌ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَظَهَرَ أَنَّ الْقِيمَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا تُقْسَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَبْدٌ لِرَجُلٍ شَجَّهُ رَجُلٌ مُوضِحَةً ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ شَجَّهُ مُوضِحَةً أُخْرَى ثُمَّ كَاتَبَهُ ثُمَّ شَجَّهُ مُوضِحَةً ثَالِثَةً ثُمَّ أَدَّى الْكِتَابَةَ فَعَتَقَ ثُمَّ شَجَّهُ مُوضِحَةً رَابِعَةً فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهَاهُنَا حُكْمُ الشِّجَاجِ وَحُكْمُ النَّفْسِ أَمَّا حُكْمُ الشِّجَاجِ فَالْأُولَى يَضْمَنُ الشَّاجُّ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَهُوَ عَبْدٌ صَحِيحٌ.

وَأَمَّا حُكْمُ الشَّجَّةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ مُكَاتَبٌ مَشْجُوجٌ شَجَّتَيْنِ وَأَمَّا حُكْمُ الشَّجَّةِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْأَرْشَ وَأَمَّا حُكْمُ النَّفْسِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الشَّاجِّ بِسِرَايَةِ الشَّجَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِأَنَّ سِرَايَتَهُمَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَيَضْمَنُ لِلشَّجَّةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ وَهُوَ مُدَبَّرٌ مُكَاتَبٌ مَشْجُوجٌ بِأَرْبَعِ شَجَّاتٍ وَلَا يَضْمَنُ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَإِنْ مَاتَ حُرًّا لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الشَّجَّةِ لَاقَى الْكِتَابَةَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ لَا رُبْعَهَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ وَالشَّجَّةُ الرَّابِعَةُ لَاقَتْهُ وَهُوَ حُرٌّ وَمُوجِبُهَا الدِّيَةُ فَبَانَ بِهَذَا وَاتَّضَحَ أَنَّ النَّفْسَ إنَّمَا تَلِفَتْ مَعْنًى وَاعْتِبَارًا بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ ثُلُثُهَا بِالْجِنَايَةِ الْأُولَى وَقَدْ هُدِرَتْ سِرَايَتُهَا وَثُلُثُهَا بِالْجِنَايَةِ الثَّالِثَةِ وَسِرَايَتُهَا مُعْتَبَرَةٌ فَيَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مَشْجُوجًا بِأَرْبَعِ شِجَاجٍ لِأَنَّ ثَلَاثَ شِجَاجٍ مِنْهَا ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُ مَرَّةً أُخْرَى وَمَا تَلِفَ بِالشَّجَّةِ الرَّابِعَةِ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الشَّاجِّ بِالشَّجَّةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِأَرْبَعِ شَجَّاتٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ مَعَ اخْتِصَارٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ أُمُّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ جِنَايَةً خَطَأً فَالْجَوَابُ فِيهَا كَالْجَوَابِ فِي الْمُدَبَّرِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جَنَى عَبْدٌ خَطَأً دَفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) أَيْ إذَا جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً فَمَوْلَاهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنْ دَفَعَهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا.

وَقَوْلُهُ خَطَأً يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْعَمْدِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ إنَّمَا يُفِيدُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَمْدًا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَطْرَافِ لَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِهِ إذْ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِيهَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَبَيْنَ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جِنَايَةُ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى الْأَرْشَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اتِّبَاعِ الْجَانِي عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُتْبَعُ لَا فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَلَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِثْلُ مَذْهَبِهِ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] إلَّا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَيُبَاعُ فِيهِ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النُّفُوسِ نَفْسُ الْجَانِي إذَا أَمْكَنَ إلَّا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفْسِ قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْإِتْلَافِ عُقُوبَةً وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ نَفْسَهُ بِالطَّرِيقَيْنِ فَتَصِيرُ نَفْسُهُ مُسْتَحَقَّةً لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ الْهَدَرِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَلْ مَقْصُودُ الْمَجْنِيِّ يَحْصُلُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ نَفْسَ الْجَانِي أَبَدًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُوجِبِ الْجِنَايَةِ خَطَأً أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْ الْجَانِي لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا وَلِكَوْنِ الْخَطَأِ مَرْفُوعًا شَرْعًا وَيَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ تَخْفِيفًا عَنْ الْمُخْطِئِ وَتَوَقِّيًا عَنْ الْإِجْحَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>